تحييد مخيمات الشتات ضرورة قومية

ت + ت - الحجم الطبيعي

التجارب القاسية والمريرة التي حدثت خلال العقود الماضية حين تم استدراج اللاجئين الفلسطينيين في الشتات للتورط في النزاعات والخلافات القطرية والعربية- العربية، وما أسفرت عنه من العواقب الوخيمة على صعيد النزول بالقضية الفلسطينية عن قداستها وارتفاعها فوق الحزازات والحساسيات- هذه التجارب يجب أن تكون درسا وعبرة لكل من يعنيهم الأمر لإبقاء اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في الشتات بعيدا عن الصراعات والحروب الداخلية والعربية- العربية، في الحاضر والمستقبل كذلك.

وما حدث في مخيم اليرموك من خسائر في أرواح الفلسطينيين وتدمير لممتلكاتهم كان نتيجة لعدم استيعاب بعض القيادات والمنظمات الفلسطينية هناك لهذا الدرس. فمع المشاعر الفلسطينية والعربية والإنسانية المؤيدة لحق الشعب السوري الشقيق في الحرية، فإن الأمر يجب أن لا يتجاوز هذه المشاعر إلى المشاركة في الصراع مع هذا الطرف أو ذاك. لأن كلا من الجانبين سيلجأ إلى التعميم وتبني انطباعات حول موقف الشعب الفلسطيني ككل. وهي انطباعات مجتزأة وخارجة عن سياقها في كل الأحوال.

ما يهم الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات هو التطلعات الوطنية الفلسطينية، والحقوق الفلسطينية الثابتة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وزوال الاحتلال وتصفية الاستيطان، وعودة اللاجئين من منافيهم في الشتات إلى ديارهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية. واللاجئون الفلسطينيون في الدول الشقيقة المضيفة لهم هم ضيوف على تلك الدول في انتظار العودة، وما يعنيهم هو استقرار تلك الدول وأمنها ورفاهية شعوبها، لأن ذلك ينعكس عليهم طمأنينة وأمنا وتفاعلا إنسانيا إيجابيا مع محيطهم في ديار الشتات.

ومع أن مختلف الفصائل الفلسطينية دعت في السابق، وطالبت يوم أمس بسحب المقاتلين المؤيدين والمعارضين للنظام السوري من مخيم اليرموك، فما يزال عدد منهم متمركزا في بعض المواقع داخل المخيم وخارجه. وقد أسفر إطلاق النار والقذائف عن سقوط خمسة قتلى يوم أمس فقط، ما يشير إلى أن تحييد المخيم وإبعاد اللاجئين الفلسطينيين عن معترك الصراع السوري لم يتحقق بعد.

إن ما يحدث في سوريا، وما حدث قبل ذلك خلال العقود الماضية في عدد من الدول العربية من توريط للفلسطينيين في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وما نجم عن ذلك التوريط من مفاهيم وانطباعات خاطئة عن الدور الفلسطيني في العالم العربي قد أدى إلى تراجع في البعد العربي للمسيرة النضالية الفلسطينية، وإلى نشوء وتطوير نظريات المؤامرة والتوطين والأوطان البديلة عن فلسطين، و هو ما يجري تسويقه من جانب الإعلام في دول عربية معينة لأهداف سياسية محلية مغرضة، يكون الفلسطينيون فيها هم آخر من يعلم، وهم كبش الفداء للصراعات والمناورات الحزبية في تلك الدول.

ومن هنا فإن من مصلحة القضية الفلسطينية أولا، والمصلحة القومية العليا ثانيا وأخيرا أن يتم تحييد اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في الشتات عن هذه الصراعات الداخلية القطرية والعربية- العربية، ليتفرغ الفلسطينيون في كل مكان لقضيتهم الأولى والأهم وهي إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعودة للاجئين إلى وطنهم بكرامة ودون تداعيات أو انعكاسات سلبية. ولتظل القضية الفلسطينية عامل توحيد ووفاق في العالم العربي، ونقطة التقاء لمختلف القوى والتيارات والتوجهات العربية والإسلامية والإنسانية- كما كانت في الماضي، وكما يجب لها أن تكون حاضرا ومستقبلا.

Email