قمة التعاون والتحديات المتجددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد قطع مجلس التعاون لدول الخليج العربية شوطًا كبيرًا وحقق إنجازات يشار إليها بالبنان في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والأمنية والتنسيق بين دول المجلس انطلاقًا من حرص قادة المجلس على مصلحة مواطني دول المجلس، فعلى الصعيد السياسي شكلت عملية تنسيق المواقف والتشاور فيما يخص استقرار دول المجلس وأمنها حالة استثنائية، سواء على مستوى القمم أو على مستوى اللقاءات الثنائية التي يعقدها قادة المجلس، وفي الحقيقة بنى هذا التنسيق دعامة كبيرة لبقاء المجلس واستمراره ودفع إلى إنجاح بقية القطاعات الأخرى لا سيما القطاع الاقتصادي والسير باتجاه الاندماج الاقتصادي من خلال الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والربط الكهربائي، وربط دول المجلس بسكة الحديد، وفتح فرص العمل لمواطني المجلس والمعاملة بالمثل، وإتاحة حرية الاختيار للمواطن الخليجي للدولة الخليجية التي يريد العمل فيها، وسهولة الانتقال من دولة خليجية لأخرى، والتمتع بمختلف التسهيلات والامتيازات الممنوحة لمواطن الدولة العضو في مجلس التعاون بما في ذلك التأمينات والمعاشات والرعاية الصحية، وآفاق المشروعات وحقوق التملك، أو من حيث إقرار اتفاقية الدفاع المشترك في القمة الحادية والعشرين في ديسمبر عام 2000 وكذلك اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب في عام 2003. إلا أن هذه المنجزات لا تزال تواجه صعوبات ولا تلبي الآمال والطموحات التي يطمح المواطن الخليجي إلى تحققها، بما لا يتفق مع مسيرة مجلس التعاون التي بلغ عمرها أكثر من واحد وثلاثين عامًا والتي يفترض أنها قد أنتجت كيانًا خليجيًّا متكاملًا، خاصة وأن القواسم والإمكانات في دوله الست خادمة، بل ودافعة إلى التكامل الحقيقي، فضلًا عن أن الظروف تقتضي ذلك، فالمواطن الخليجي تستوقفه في أحايين حالة المراوحة أو ما يمكن أن يطلق عليه حرق المراحل بالهروب إلى الأمام بإقرار مشاريع واتخاذ قرارات تخدم شعوب دول المجلس في القمة الحالية، ولم يتم إنجاز ما اتخذ في القمة التي سبقتها.

واذا كان مجلس التعاون قد ولد في ظروف سياسية صعبة، فإن هذه الظروف لم تزُل ويشتد أوارها، بل إنها اليوم تمثل صعوبة بالغة، فرضتها متغيرات عديدة على المستوى السياسي والمستوى الأمني والمستوى الاقتصادي، بصعود قوى إقليمية ودولية وتراجع أخرى، تحتم إجراء مراجعة شاملة لعملية التحالفات والتخلي عن سياسة وضع البيض في سلة واحدة، والتحرك باتجاه التنويع المُكْسِب للقوة والجالب للمنافع والمحقق للمصالح.
ولا ريب أن هذه المتغيرات تمثل تحديات تواجه المنظومة الخليجية كمجلس تعاون، تحديات باتت ككرة الثلج تكبر يوميًّا نظرًا لتدحرجها المستمر، ويساهم في سرعة تدحرجها التدخلات الخارجية وخاصة الغربية لأهداف أصبحت مكشوفة من بينها تأمين كيان الاحتلال الصهيوني وبقاؤه القوة الأوحد في المنطقة، والذي غدا احتلاله وممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني وما يحيكه من مؤامرات ضد دول المنطقة سببًا مباشرًا في فرض التحديات وزعزعة الاستقرار، وكذلك تأمين القوى الغربية المتدخلة في الشأن الداخلي للمنطقة لمصالحها، ولا شك أن هذه التحديات هي محل نقاش مستفيض من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم الثالثة والثلاثين التي افتتحوا أعمالها أمس ويختتمونها اليوم.

وفي ظل الأوضاع غير المستقرة والأسباب المتوالدة والمتكاثرة، فإن من المحتم أن تتصدر اهتمامات قادة دول مجلس التعاون للحد من آثارها ومنع أسبابها، بما يتوازى مع الرغبة الأكيدة في تلبية المتطلبات الوطنية والتطلعات الشعبية لشعوب دول المجلس والسعي الجاد إلى تذليلها وتحقيقها.

لذلك نأمل أن تعكس مضامين كلمات افتتاح القمة أمس القرارات التي سيتضمنها البيان الختامي، بحيث تعزز مشاعر الثقة والانتماء وتخدم تطلعات مواطني دول المجلس بصورة حقيقية ونافذة وغير مؤجلة.

كل التمنيات لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم التي يختتمون اليوم أعمالها لتحقيق ما تصبو إليه شعوبهم من رخاء ورفاه، ويحقق لبلداننا الأمن والااستقرار، ويحافظ على المسيرة الخيرة لمجلس التعاون.


 

Email