إنجاز يثلج الصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يكاد عمل يخلو من أخطاء، كما لا توجد أعمال خالية مئة بالمئة من أي تجاوزات، وذلك راجع إلى ما يعتري النفس الإنسانية من صفات النقص التي لا يُجبر نقصُها ولا يُقوَّم إلا بالالتزم الأخلاقي وبالأنظمة والقوانين والتشريعات، فالنفس البشرية أبواب مفتحة للأهواء والنزوات ما لم تحكمها القوانين والتشريعات والقيم والمبادئ والالتزام والأخلاق وتعظيم حق الخالق سبحانه وتعالى ومراعاته في كل صغيرة وكبيرة ومراعاة حقوق الناس، فتدغدغها إغراءات ما بين يديها من مسؤوليات وأمانات سواء كانت مادية أو غير مادية، وحينئذ يأتي دور السلطات الرقابية والقضائية، بل لا بد عليها أن تتدخل بموجب الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة لها حرصًا على المصلحة العامة، وتقويمًا وإصلاحًا للنفس الخاطئة والمتجاوزة.

ولذلك فإن الحكمة والقيادة الواعية المتجسدة في شخص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كانت على الدوام حاضرة ومسايرة لعملية البناء لبنة لبنة، مع الحرص على إسداء النصح والتوجيهات والإرشاد، والتصديق على التشريعات والقوانين، وذلك حفاظًا على المصلحة العامة وتقويمًا للمخطئ والمتجاوز، حيث كان جلالته ـ أيده الله ـ واضحًا في ذلك، مشددًا على أن "خدمة الوطن والمواطنين بكل أمانة وإخلاص ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار من الأركان الضرورية لكل تنمية يراد لها الدوام والاستمرار"، منوهًا بالأداء الحكومي والمسؤولية الجسيمة المنوطة بالموظفين الذين يديرون عجلة العمل، والذين "إن هم أدوا واجباتهم بأمانة وبروح من المسوؤلية بعيدًا عن المصالح الشخصية سعدوا وسعدت البلاد، أما إذا انحرفوا عن النهج القويم واعتبروا الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلمًا للنفوذ والسلطة وتقاعسوا عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة، فإنهم يكونون بذلك قد وقعوا في المحظور ولا بد عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لردعهم وفقًا لمبادئ العدل".

وقد جاءت استقلالية كل من الادعاء العام وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة مرسخة مفهوم دولة المؤسسات والقانون لإرساء مظاهر العدل بين الناس.

فالبيان الذي أصدره جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أمس حول استردادات مالية لحقوق الخزانة العامة للدولة لعامي 2010 ـ2011م بلغت نحو 6ر340 (ثلاثمئة وأربعين مليونًا وستمئة ألف ريال عماني)، منها ما تم استرداده ومنها ما هو جارٍ استرداده، فالبيان بقدر ما يؤكد مضي الجهاز في ممارسة صلاحياته الرقابية بقدر ما لا ينفي وجود تجاوزات وعمليات تحايل ومحاولات استغلال الوظيفة، الأمر الذي يتطلب توسيع جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة دوره والغوص في التفاصيل بصورة أعمق وأدق، مع وجوب الإشادة بإنجازاته في ضبط المستمسكات والمخالفات، والذي يستلزم تضافرًا للجهود بين مختلف الجهات الرقابية والقضائية والأمنية، فإشارة الجهاز إلى أن تقاريره تضمنت توصياته بالمعالجات اللازمة لتصحيح الأخطاء وتعديل بعض اللوائح والأنظمة وسد الكثير من الثغرات، ومعالجة جوانب الضعف والقصور للحيلولة دون تكرار المخالفات والتجاوزات، وطلب إجراء التسويات التصويبية وتحصيل الحقوق والمستحقات للخزانة العامة، واتخاذ إجراءات التحقيق وتحديد المسؤولية في شأن العديد من المخالفات، وإحالة ما كان يشكل منها شبهة أو جريمة جنائية إلى الادعاء العام، كل ذلك يرفع منسوب الطمأنينة في نفوس المواطنين الذين يعدون أصحاب المصلحة الأولين، بأن حقوقهم مصانة.

إن نجاح جهاز الرقابة في استرداد مبالغ مستحقة للدولة بالتأكيد يثلج الصدر ويعزز الثقة ويقطع الشك باليقين، ويؤكد أن هناك جهات رقابية حريصة على المصلحة العامة والمصلحة الوطنية، ولن تدع فرصة للإشاعات أن تمر لتؤذي النفس وتعكر صفو الأجواء، مع أهمية التحلي بالشفافية والصراحة وشمول عملية الرقابة لكل عمل صغيرًا كان أو كبيرًا وأيًّا كان صاحبه بما يؤدي إلى تحجيم التجاوزات في أضيق نطاق، وتجنيب الوطن هدر الإمكانيات والطاقات.

 

Email