أيد مرتعشة .. ومعادلة معكوسة!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن تقدير سعار الاستيطان الذي توحش لدى كيان الاحتلال الصهيوني في أراضي فلسطين المحتلة وفي مقدمتها الضفة والقدس المحتلتان كرد فعل طبيعي على أزمة الوجود التي يعيشها وذلك في أعقاب الصفعة الدبلوماسية التي تلقاها بالاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وما تسارع وتيرة الاستيطان ومخططات الترانسفير التي وصلت مدى غير مسبوق في تاريخ الاستعمار الحديث إلا سباق مع الزمن لفرض حقائق على الأرض ومحاولات لطمس التاريخ لقطع الطريق على أي فرصة مستقبلية لما يوصف بحل الدولتين في إطار الواقع الدولي الجديد الذي شكله الاعتراف الأممي؛ أي أن ما يجري وباختصار غير مخل هو صراع وجود يلتبس بسلوك استعماري يذيب ويجير الحدود.


تلك تطورات بديهية يمكن ملاحظتها بالعين المجردة والتفكير غير المعمق، لكن ما لم يعد مفهومًا هو استمرار غياب الظهير العربي عن دوره الذي تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا والجيوسياسة في الصراع، بل إن هذا الغياب الطويل والصمت المطبق يثيران حالة من الذهول والتساؤل عن سبب ذلك، وما إذا كان انشغال العرب بما يسمى "الربيع العربي"، ورغبتهم في الاستعانة بالآلة العسكرية والإعلامية ومصانع السلاح الغربية وخاصة الأميركية في القيام بالدور المساند لإسقاط من عليه الدور في السقوط من الأنظمة سببًا مباشرًا حتى لا تتأثر حالة التناغم الكبير بين السياسات الغربية والعربية فيما يخص الملفات الساخنة في المنطقة، حيث لم نعد نسمع عبارات الإدانة والاستنكار ولو على استحياء.

بل والتلكؤ عن تقديم المظلة المالية اللازمة لشد أزر السلطة الفلسطينية وإعانتها على ما تواجهه من أزمات مالية خانقة تكاد تعصف بوجودها، وذلك رغم الوعود العربية المتكررة بتوفير 100 مليون دولار هي قيمة هذه المظلة التي أقرتها جامعة الدول العربية ولم تر نور الشمس خارج أروقة بيت العرب.


لقد قدمت الولايات المتحدة أمس الأول دليلًا إضافيًّا على انحيازها السافر للاحتلال الصهيوني، وكرهها لكل ما هو فلسطيني، وأن كل ما تملكه من قوة عسكرية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية مسخر لخدمة الاحتلال الصهيوني والدفاع عنه، وذلك حين رفضت وهي العضو الخامس عشر من أعضاء مجلس الأمن الانضمام إلى بقية الأعضاء للتنديد وإدانة السرقة الاستيطانية الجديدة في الضفة المحتلة والتي أعلنت عنها حكومة الاحتلال الصهيوني اليومين الماضيين.

أليست هذه السياسة الأميركية وهذا التعامل الأميركي يجب أن يمثلا القاعدة العريضة والمرآة العاكسة لحقيقة السياسة الأميركية في المنطقة، وفضح زيف ما تعلنه من تمسك بشعارات "حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، وحماية المدنيين"، وأن ما تقوده الآن من سياسات في المنطقة ودولها تتقنع بتلك الشعارات هو من أجل خدمة كيان الاحتلال الصهيوني وليس في مصلحة المنطقة ودولها وشعوبها؟


الحقيقة الكاشفة هي أن السلطة الفلسطينية تمضي بأيدٍ مرتعشة في مواجهة سعار السرقة الاستيطانية، ومع تلويح مسؤوليها المتكرر بالتوجه للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. إلا أن تلك التلويحات تفقد قيمتها مع مرور الوقت وتتحول إلى طلقات في الهواء وتعزز موقف كيان الاحتلال الصهيوني. فأموال الضرائب الفلسطينية تعرضت لسطو صهيوني فاضح، فيما ترتفع وتيرة الاحتجاجات داخل المؤسسات الحكومية الفلسطينية جراء نقص الرواتب.

في المقابل وللمفارقة فبدل أن يذهب المال العربي كأضعف الإيمان في مساندة القضية الفلسطينية يتم توجيهه بأريحية وكرم لافتين لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا والمساهمة بسخاء في إسقاط سوريا وتفتيتها لصالح الأميركي والصهيوني، وإذا ما استمرت هذه المعادلة المعكوسة فإنه لن يجدي الفلسطينيين نفعًا لا النصر الدبلوماسي بالاعتراف الأممي ولا الانتصار الأخير للمقاومة في غزة، ولا حيلة للفلسطينيين إلا أن يبحثوا عن آليات كفيلة تنتشلهم مما يجري لهم وحولهم.
 

Email