آن الأوان لاستثمار المكسب الأممي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد ينكر أن الخطوة الفلسطينية بالحصول على وضع مراقب غير عضو لدولة فلسطين في الأمم المتحدة رغم حملات التهديد والوعيد التي شنها كل من كيان الاحتلال الصهيوني وحلفائه، هي خطوة متقدمة على صعيد النضال الفلسطيني من أجل استعادة ما سرق من الحقوق ونهب، إلا أن الركون عند محطة "مراقب" والانتشاء بها، دون مواصلة العمل، أمر غير مطلوب ولا يتفق مع السرعة القصوى للاحتلال في التهام ما تبقى من الحق الفلسطيني ووضع العراقيل وقطع الطريق على الجانب الفلسطيني عن اتخاذ أي خطوة أخرى متقدمة، سعيًا منه إلى خطف مظاهر الفرحة الفلسطينية بالانتصار السياسي والدبلوماسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك خطف فرحة انتصار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتدمير أي احتمالات قائمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيًّا وفق رؤية "حل الدولتين".

حين أعلن كيان الاحتلال الصهيوني عن سرقته الجديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين وذلك بتسمين المغتصبات بثلاثة آلاف وحدة سكنية لمواكبة ـ كما يدعي ـ النمو الحاصل في عدد قطعان المستوطنين، كان الزعم بأن هذا الإعلان هو رد على إصرار الفلسطينيين على الحصول على وضع دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدة، ولكن هذا الرد غير مطابق للواقع، فالسرقة الصهيونية لم تتوقف مطلقًا لا قبل ولا بعد، وكان تعليل الاحتلال وحلفائه على رفض التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بأن الحل ينطلق عبر المفاوضات من تل أبيب إلى رام الله، وليس عبر نيويورك، وما يدحض كذب هذا التعليل هو أنه حين أعلن الرئيس باراك أوباما بُعيْدَ تسلمه الرئاسة عن رؤيته بحل الدولتين فيما يخص الصراع العربي ـ الصهيوني، مبتدئًا هذه الرؤية بوقف الاستيطان أولًا باعتباره معرقلًا للحل، كان كيان الاحتلال ينسق مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للتخلص من هذه الخطوة، وبالفعل نجحت الضغوط لدحرجة "وقف" الاستيطان إلى "تجميده"، ثم انطلاقه بالسرعة القصوى، لتفرم آلة الاستيطان بعد ذلك كل ما أبداه أوباما من مواقف حاول أن يظهر فيها نفسه أنه متوازن وساعٍ إلى حل الصراع، وليس مواصلة النهج السياسي الأميركي القائم على إدارة الصراع وليس حله.

ولذلك فإن كيان الاحتلال بإعلانه عن سرقاته الجديدة للحق الفلسطيني على مرأى العالم ومسمعه، يريد من ذلك فعلًا القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيًّا وذات سيادة، ولاختبار السلطة الفلسطينية ما إذا هي قادرة على أن تستثمر وضع مراقب سياسيًّا وقانونيًّا بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمنع السرقة المستمرة للأرض الفلسطينية، محاولًا في الوقت ذاته ابتزاز السلطة بمنعه التحويلات المالية إليها والعائدة من الضرائب، ومن هنا يتعين على السلطة الفلسطينية أن تتحرك باتجاه الآتي:

أولًا: إتمام ملف المصالحة الوطنية بصورة عاجلة، خاصة وأن اليوم ممكنات إنهاء الانقسام وطي صفحته أكثر من أي وقت مضى، لما تمثله وحدة الصف والموقف من قوة مؤثرة في المحافل الدولية والعربية.

ثانيًا: الضغط على الأشقاء العرب في الالتزام بتقديم الدعم المالي وكذلك السياسي لتتمكن السلطة الفلسطينية من مواجهة محاولات الابتزاز التي يمارسها الاحتلال وداعموه، خاصة وأن لجنة المتابعة العربية سوف تعقد اجتماعها في التاسع من الشهر الجاري.

ثالثًا: استثمار النجاح السياسي والدبلوماسي في الحصول على وضع دولة مراقب في بلورة تأثير حقيقي على الدول الداعمة والمتعاطفة مع الاحتلال التي استدعت سفراءها لنقل وجهة نظرها من الإعلان عن السرقة الجديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وكذلك توظيف الوضع الجديد في المحاكم والمنظمات الدولية بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية.

Email