سياسة تفتقد الصدق والنزاهة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

جرت العادة أنه حين تزداد الضغوط على كيان الاحتلال الصهيوني بسبب جريمة ما ارتكبها يقوم هذا الكيان بسحب ملف الجريمة المرتكبة، والإتيان بملف آخر أو إعادة تسمية بعض العناوين ثم طرحه إعلاميًّا من أجل الهروب إلى الأمام، وهو السياسة التي يتقنها المحتلون الصهاينة، بينما يكون أركان حكومة الاحتلال الآخرون قد قاموا بدورهم بالتحريض على العنف والتمرد في صفوف المتطرفين، وتنطلق الفتاوى من الحاخامات تحذر أي مسؤول في حكومة الاحتلال من التنازل. إلا أن اليوم ليس كالبارحة، فقد تغيرت هذه السياسة بتقديم ملف وتأخير آخر، ووضع ملف في الأدراج وإخراج آخر، وإنما بتنا نرى إصرارًا على التمرد على الشرعية الدولية والاستمرار في سرقة الحق الفلسطيني، فها هو المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال يصر على مواصلة مشاريعه الاستيطانية الجديدة مستغلًّا هو ومن معه من عتاة المتطرفين والسراق بعض الانتقادات الدولية في حملته الانتخابية ليتهم المعارضة بالعمل لمصلحة الخارج.

إن الأسلوب الالتوائي الذي كانت تتبعه حكومات الاحتلال والذي طالما وجد الرضا من جانب الغرب وسكوتًا منه، لم تعد تلك الحكومات بحاجة إليه، في ظل التقدم الكبير في الموقف الأوروبي في التغطية على سياسات الاحتلال والتدخل لتخفيف الضغوط على قادة الاحتلال، حيث كان لافتًا تأكيد كل من لندن وباريس رفضهما استدعاء سفيريهما من كيان الاحتلال الصهيوني للتعبير عن رفضهما السرقة الاستيطانية الجديدة التي أعلن عنها الاحتلال في القدس الشرقية، مكتفيتين باستدعاء سفيري الاحتلال في كل من لندن وباريس، مؤكدتين موقفهما الداعم للاحتلال الصهيوني، فقد نفى وليام هيج وزير الخارجية البريطاني إقدام الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات تجارية على كيان الاحتلال ومقاطعة منتجات المستوطنات احتجاجًا على السرقة الاستيطانية الجديدة، متشبثًا بشماعة المفاوضات والعمل على إعادة الجانبين الفلسطيني والصهيوني إلى طاولة المفاوضات.

نوقن مثلما يوقن قادة الاحتلال الصهيوني أن مواقف الأوروبيين وما يطلقونه من نداءات وصيحات ما هو سوى فقاعات سرعان ما تنفجر في الهواء، ولا قيمة لها، وأن تلك المواقف المتمثلة في استدعاء السفراء فرضتها ظروف تدخلهم السافر في الشؤون الداخلية للمنطقة من أجل تخفيف الحرج، والتغطية على موقفهم الشائن في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء التصويت على منح فلسطين صفة مراقب غير عضو، لتزيدها انكشافًا وافتضاحًا السرقة الاستيطانية الجديدة في القدس الشرقية الهادفة إلى القضاء على إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيًّا.

إن الأوروبيين لو كانوا صادقين في زعمهم الحرص على تحقيق التسوية السياسية التي تعطي الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم، لجاءت مواقفهم على ذات النسق الذي تسير عليه سياساتهم في التعاطي مع قضايا المنطقة والمتدخلة في الشؤون الداخلية للدول العربية القائمة تحت زعم الانتصار لقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تتلطى تحتها عمليات التحريض والتجييش، والدعم والتسليح وتشويه الحقائق وتصوير الحكومات العربية المستهدفة بأنها دكتاتورية وفاسدة وتقتل شعبها وتصادر حرياتهم وغيرها من الاتهامات كما هو الحال في الموقف من الأزمة السورية الداخلية، حيث بلغ بهم الأمر أن سيروا طائراتهم وبوارجهم الحربية واستصدروا قرارًا أمميًّا لتدمير دول عربية مثلما هو حال ليبيا الآن وقبلها العراق، أوليس كيان الاحتلال الصهيوني كيانًا احتلاليًّا إرهابيًّا قمعيًّا عنصريًّا فاسدًا بامتياز ولا يعترف بالآخر وبحقوقه، وبالتالي هو الأولى بالحصار والمقاطعة وشن الحملات العسكرية عليه؟ بالطبع ليس هناك من عاقل يطالب أو يتوقع من هؤلاء المنافقين شن الحرب على كيان الاحتلال الصهيوني، فهذا أمر لا يمكن حصوله، ولكن المطلوب من هؤلاء، على الأقل، نهج يضفي شيئًا من الصدق مع الذات والنزاهة، وينفي صفة النفاق والكذب التي تتصف بها سياستهم تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
 

Email