نزوة التاريخ ستزول حتما!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن أعيد إغلاق ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله، بعدما أخذ خبراء سويسريون وفرنسيون وروس عينات من رفاته لفحصها، لا بد أن الشعب الفلسطيني مثلما يتطلع إلى معرفة قتلة رئيسه، يحرص على إطلاع العالم بأسره على الحقيقة الكبرى وهي أنه شعب مستهدف بقياداته وشخصياته ورموزه وشبابه وشيبه ونسائه وأطفاله، طالما أن حقوقه بأكملها مستهدفة، حيث تجري عملية تصفية القضية الفلسطينية عبر خطين متوازيين: الأول يقوم على اقتلاع الشعب الفلسطيني اغتيالًا وتهجيرًا وتدميرًا، والثاني يقوم على سرقة الأرض الفلسطينية والتهامها عن آخرها.

ولذلك لا غرابة في أن نشاهد بأُم أعيننا أو نسمع عن رحيل رمز فلسطيني أو قائد أو مناضل فلسطيني اغتيالًا أو غدرًا أو مسمومًا أو استهدافًا أو بأي طريقة صهيونية كانت، ما دامت هناك أهداف يجري تنفيذها ضد القضية الفلسطينية.

صحيح أن أصابع الاتهام في هذه الجريمة الغادرة تشير إلى كيان الاحتلال الصهيوني باعتباره صاحب المصلحة الأول، لكن أيضًا يجب عدم إغفال الشركاء الذين أسهموا في عملية الاغتيال، بدءًا من إعطاء الضوء الأخضر لمجرم الحرب المريض أرييل شارون رئيس وزراء كيان الاحتلال، والبدء بمحاصرة عرفات في مقر المقاطعة برام الله في العام 2002 أثناء انعقاد القمة العربية في بيروت، حيث في الوقت الذي يعلن فيه العرب عن مبادرتهم للسلام مع كيان الاحتلال، كان على الجانب الآخر مجرم الحرب شارون يبدأ عملية الإجهاز على الراحل ياسر عرفات الذي قال قولته الشهيرة: "يريدوني طريدًا، يريدوني أسيرًا، يريدوني قتيلًا، وأنا بقول لهم: لا، شهيدًا شهيدًا شهيدًا". ليكمل بعد ذلك بقية الشركاء الدور في عملية إنهاء حياة الزعيم المناضل ياسر عرفات الذي خاطب العالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: قائلًا: "جئتكم أحمل البندقية بيد، وغصن الزيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".. بدءًا بالعملاء الذين جندوا لهذا الغرض، وهذا لا يعني أن الشعب الفلسطيني في دمه الخيانة، بل إنه ما من شعب وإلا به من يخون وطنه وشعبه مقابل لذة وقتية زائلة، وانتهاء بالجهة التي تولت عملية إخفاء نتائج الفحوصات على العينات من الدم والبول وغيرهما التي أخذت من الرئيس المغدور ياسر عرفات في باريس.

إن قيام خبراء من ثلاث دول هي سويسرا الدولة التي كشف معملها لأول مرة عن قتل عرفات بمادة البلونيوم المشعة ذات السمية العالية والتي وجدت في أدواته الشخصية وعلى ملابسه، وفرنسا التي تدور الشبه حول المستشفى الذي عولج فيه عرفات، وكذلك روسيا التي تتقاسم امتلاك مادة البلونيوم مع الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني، وفق ما يتردد من معلومات، إنما يعني ذلك ضمان إثبات الحقيقة، وربما لعدم إمكان اتفاق خبراء الدول الثلاث على رأي واحد قد لا يصب في مصلحة القضية.

لقد أقدم كيان الاحتلال الصهيوني على اغتيالات كثيرة بحق زعماء ومناضلين وقادة فلسطينيين في إطار مخططه الاحتلالي، قبل عرفات وبعده منهم على سبيل المثال أحمد ياسين والرنتيسي وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي ويحيى عياش وأحمد الجعبري، وقبلهم في بيروت كما ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، وفي تونس أبو جهاد خليل الوزير وأبو إياد صلاح خلف وغيرهم الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل وطنهم، ولن يتوقف عن هذا الإجرام في ظل وضع أطلق يدي إرهابه وإجرامه. ومادام الصراع مستمرا ومادام الحق لم يعد لأصحابه فإن مسلسل الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني لن يتوقف، لكن دولة الظلم والباطل لن تدوم فهي مجرد نزوة من نزوات التاريخ، وغدا سيعود الحق حتما لأصحابه.. وإن غدا لناظره قريب.


 

Email