الموازنة العامة وتنويع مصادر الدخل

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلاقًا من دوره الحيوي في المشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي، ومن الشعور بالمسؤولية تجاه مسيرة التنمية بشكل عام وبخاصة التنمية البشرية، استضاف مجلس الشورى أمس معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2013م، من أجل الوقوف على أهم ملامح الموازنة وأهدافها والتي استعرضها معاليه في بيانه الذي ألقاه أمام المجلس. ومن خلال الأرقام التي تضمنها البيان فإن الموازنة العامة للعام القادم تعد الأضخم، حيث بلغ حجم الإنفاق الحكومي المقدر بنحو ثلاثة عشر (13) مليار ريال عماني، الأمر الذي يعكس توجه الحكومة نحو تسريع عجلة التنمية، وإرساء مشاريع البنية الأساسية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ويتضح ذلك من خلال تعزيز المخصصات المالية للبرنامج الإنمائي للوزارات والوحدات الحكومية بنسبة تبلغ نحو(30) بالمئة بغرض استكمال مشروعات البنية الأساسية قيد التنفيذ مثل المطارات والموانئ والطرق والمياه والصرف الصحي، ومشروعات البنية الأساسية للمنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم والمناطق الصناعية الأخرى، إذ تتطلع الحكومة من وراء ذلك تهيئة بيئة استثمارية واقتصادية محفزة لاستثمارات القطاع الخاص المحلية والأجنبية، وإضافة العديد من مشاريع القطاع الخاص وبالأخص في القطاعات الإنتاجية المختلفة، وصولًا إلى الهدف الذي طالما ركزت عليه القيادة الحكيمة ألا وهو تنويع مصادر الدخل وتوليد فرص عمل مجدية. كما يعكس حجم الإنفاق التجاوب الكبير من قبل الحكومة لمواكبة متطلبات حياة المواطن وتوفير سبل العيش الكريم له، وتحسين الظروف والأحوال الحياتية لهم في مجالات فرص التشغيل وجودة التعليم والصحة، ودعم برنامجي المساعدات والقروض الإسكانية وتوسيع مظلة الضمان والتأمينات الاجتماعية، وتعزيز برنامج التدريب والتأهيل المقرون بالتشغيل بما يمكن من استيعاب الأعداد المستهدفة من الباحثين عن عمل لتزويدهم بالمهارات والكفاءة اللازمة للانخراط في العمل لدى مؤسسات القطاع الخاص.

وإذا كان معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية قد طمأن أعضاء مجلس الشورى بأنه على الرغم من نسبة النمو العالية وغير المسبوقة في الموازنة القادمة، فإنه من المؤمل أن يتم تمويل هذا الإنفاق من خلال الموارد الحقيقية دون اللجوء إلى الاقتراض أو السحب من الاحتياطيات بشكل غير مخطط ما لم تتعرض الأسعار العالمية للنفط إلى انتكاسة غير منظورة، فإن الاعتماد الأكبر في إعداد مشروع الموازنة على إيرادات النفط والغاز لا يزال يتصدر جميع الإيرادات والذي بلغ (84) بالمئة، في حين مثلت الإيرادات غير النفطية نسبة (16) بالمئة فقط، ولذلك فإن القطاعات غير النفطية لا يزال دورها متواضعًا ولا يرتقي إلى مستوى الطموح وحجم الدعم الذي قدم، فضلًا عن ضعف الترجمة الحقيقية لدعوات القيادة الحكيمة لأهمية تنويع مصادر الدخل، وبالتالي فإن القطاع الخاص مطالب بأن يرفع مستوى شراكته الحقيقية مع الحكومة نحو تحقيق هذا الهدف السامي.

صحيح أن معالي الوزير قدم توصيفًا مطمئنًا، لكن تبقى هناك مسؤولية وطنية كبرى تترتب على الجهات والوحدات الحكومية وغير الحكومية التي ستنال نصيبها من الموازنة العامة بعد اعتمادها في تنفيذ الخطط وترشيد الإنفاق وإكمال مشاريع الخطة الخمسية الثامنة بكل شفافية ووضوح وبكل أمانة ودقة.

هكذا تمضي برامج التنمية في بلادنا بخطى واثقة باتجاه صعودي يمكن رصده بسهولة، إما من خلال المشاهدة العينية، حيث تتحول البلاد إلى خلية نحل تعمل ليل نهار لإرساء قواعد البنية الأساسية، التي تقوم عليها نهضتنا المباركة وهي تستقبل عامها الثالث والأربعين على درب التطور، أو من خلال الأرقام التي نتابعها، والتي أفصح عنها بيان مشروع الموازنة العامة للدولة أمس، مُبرِزًا الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة من أجل تقدم هذا الوطن وإسعاد مواطنيه.

 

Email