الفلسطينيون مدعوون مجددا للمصالحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كشف عنه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أمس بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ومجلس الشيوخ الأميركي هددا الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية بعقوبات إذا ما قرر وصمم على التوجه، كما هو مقرر يوم التاسع والعشرين من نوفمبر الجاري، إلى الأمم المتحدة لحصول فلسطين على صفة دولة غير عضو في المنظمة الدولية، هو موقف لا يثير الدهشة والاستغراب، وليس بجديد، في ظل الانحياز الأميركي الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني؛ الانحياز الذي أكدت عليه هيلاري كلينتون أمس الأول بقولها إن "الالتزام الأميركي بأمن "إسرائيل" صلب كالصخر ولا يتزحزح".


إن الموقف الأميركي من التحرك الفلسطيني لنيل الاعتراف الأممي، سواء كان صادرًا من البيت الأبيض أو الخارجية أو الكونجرس، موقف ثابت رغم تبدل الأشخاص في تلك المؤسسات الثلاث، وقد رأينا الرفض الأميركي والتلويح باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لإحباط الجهود الفلسطينية السابقة لطلب العضوية ونيل الاعتراف بالأمم المتحدة. ولكن لطالما كان هذا هو الموقف الأميركي المتساوق مع موقف كيان الاحتلال الصهيوني والداعم له، فماذا أعد الفلسطينيون من جانبهم لتهشيم هذه العقبات، ولاختراق الموانع التي يتم وضعها أمامهم، لا سيما وأنهم قد رأوا بأُم أعينهم ما يحاك ضدهم سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وجغرافيًّا وديمغرافيًّا لتصفيتهم وتصفية قضيتهم، ولتوهم قد خرجوا من عدوان إرهابي غاشم؟


إن الفلسطينيين مطالبون اليوم باستثمار ما قدموه من صمود وتضحيات وأرواح ودماء أبرياء خطفتها يد البطش والإرهاب التي لا ترحم، والمدبجة بالكراهية والحقد وتصفية الآخر، وبعدم حق هذا الآخر في الحياة، فهو مثله مثل الحشرات والأفاعي يجب التخلص منها، مطالبون باستثمار التقدم الذي صنعوه في ميدان المعركة مع المحتل الغاشم الإرهابي، وما آل إليه استبسالهم وصمودهم من هدنة، في إتباع هذه الخطوة بأخرى ألا وهي ترتيب البيت الفلسطيني، خاصة وأن الفرصة اليوم وليس غدًا مواتية لإنجاز ملف المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني، فالمصالحة الوطنية أصبحت أمرًا ضروريًّا وملحًّا في هذه المرحلة التي تتكالب قوى ما يسمى بالمجتمع الدولي على المنطقة بأسرها وليس على القضية الفلسطينية، والتي تسعى لتأمين مصالحها وتأمين بقاء كيان الاحتلال الصهيوني القوة الإرهابية على حساب استقرار المنطقة وأمن شعوبها وحقوقهم.


إن تهديد الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون بتدمير الرئيس عباس سياسيًّا، وكذلك تهديد مجلس الشيوخ الأميركي السلطة الفلسطينية بعقوبات، هو في الحقيقة تهديد يفسر الواقع الذي تتجه إليه القضية الفلسطينية برمتها، ويفضح أصحابه من حيث رفضهم المطلق توجه الفلسطينيين حاضرًا أو مستقبلًا إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالعضوية ليقينهم أن هذه الخطوة ستتبعها خطوات منها المطالبة بترسيم الحدود وزوال الاحتلال وغيرها من الخطوات التي تستوجب ساعتئذ من الأمم المتحدة النظر فيها؛ أي تحول القضية الفلسطينية من قبضة الاحتلال الصهيوني وحليفه الأول الولايات المتحدة إلى القبضة الدولية، ما سيترتب على ذلك نتائج تصب في صالح القضية ولا تخدم الاحتلال الصهيوني الساعي إلى تصفيتها. ثم إن ما الإنجاز السياسي الكبير الذي حققه عباس، وكذلك السلطة الفلسطينية لصالح القضية والشعب الفلسطيني في ظل التنسيق الأمني ورفض المقاومة خاصة المسلحة؟ ألا يزال عباس تحت تهديد المتطرف أفيجدور ليبرمان وزير خارجية الاحتلال؟ وبالنسبة للسلطة ألم تعجز عن صرف رواتب الموظفين الفلسطينيين، والتخفيف من الوضع المعيشي والاقتصادي في الضفة الغربية؟


بالمجمل إن كلًّا من الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية ليس لديهما ما يخسرانه، بل إن تصميمها على السير نحو الأمم المتحدة إما أن يكون خاتمة طيبة لمسيرة النضال الذي خاضاه وإلى الآن، إذا ما نفذ المتأبطون الشر وعيدهم وتهديدهم، وإما أن يكون إنجازًا تاريخيًّا ورصيدًا يضاف إلى سجل نضالهما، ولذلك فإن إتمام ملف المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام هو الحصن المنيع الذي سيوفر الأمن والطمأنينة لجميع أفراد الشعب الفلسطيني، وسيقوي موقفهم ليكون شوكة في حلق أعدائهم، ورمحًا في وجوه مبغضيهم. وبقدر حجم المهمة الملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية، فإن حركة حماس مطالبة هي الأخرى بإتباع ما أنجزته من نصر في مواجهتها للإرهاب الصهيوني الأخير بتقديم كافة أشكال الدعم السياسي للخيار الأممي وشد أزر عباس أمام الضغوط الأميركية وإتمام المصالحة الوطنية.

 

Email