الأهرام - مصر
السلام لن ينتظر طويلا!
ضوء أخضر جديد, ولكنه محدد المدة, جري منحه للرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل التفاوض غير المباشر مع إسرائيل, وجاءت هذه الخطوة في ضوء المقترحات والضمانات الأمريكية التي قدمت لعباس من إدارة الرئيس باراك أوباما
وهذه المرة لم يقدم العرب شيكا علي بياض, أو تفويضـا مفتوحـا للتفـاوض إلي ما لا نهايـة مع إسـرائيل, بل في حـدود مهلة الـ120 يوما, مع بذل الجهد مع جميع الأطراف المعنية بالسلام.
.. وهذا الرهان العربي علي السلام لن يكون بلا نهاية, فمنذ الآن هناك أصوات عربية تعارض بدعوي ان التطمينات التي أعطيت للرئيس الفلسطيني هي تطمينات شفهية وليست مكتوبة, وأصوات أخري تري أن العرب جربوا كثيرا المواقف الأمريكية والإسرائيلية.
وهنا يبدو السؤال مشروعا: لماذا لا يجرب العرب الإدارة الأمريكية الجديدة هذه المرة؟.. والسؤال الآخر المهم: لماذا تمهل العرب مع إدارة الرئيس بوش ـ المنحازة بشدة ـ8 سنوات, ولا يطيقون الصبر علي هذه الإدارة التي تبدو في حالة مراجعة للسياسات الأمريكية, وتري أن في تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي مصلحة قومية أمريكية!
وأغلب الظن أن أربعة أشهر أخري لن تعوق العرب عن اللجوء إلي جميع الخيارات الأخري فيما لو فشلت هذه المحاولة.
.. وبعيدا عن ذلك, فإن العرب عليهم من الآن أن يستعدوا بمجموعة من البدائل لمواجهة جميع الاحتمالات, والاحتمال المهم هو الاستعداد لسيناريو تحرك قطار السلام.. فتري ماذا سوف يفعل العرب لو حدث تجاوب إسرائيلي, وأرادت حكومة نيتانياهو التخلص من الضغوط عليها, وذلك بإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني؟.. علينا جميعا الآن العمل من أجل المصالحة الفلسطينية, وجمع الشمل العربي حول أهداف مرحلية محددة وحاسمة.
.. والمسألة الأخري لابد من إدارة الحوار, بل واستطلاع الرأي العام الفلسطيني حول القضايا الجوهرية, وأبرزها مسألة الحدود وحق العودة..
وهنا تتردد أفكار عن مقايضة الأراضي لتعويض الفلسطينيين عن الكثير من الأراضي التي تحتلها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية, كما أن المقترحات الأمريكية التي تسربت تتحدث عن التعويض بمليارات الدولارات للفلسطينيين مقابل التنازل عن حق العودة إلي منازلهم في إسرائيل.
وأغلب الظن أن لا أحد يمكنه أن يتنازل عن حق العودة, لأن ذلك حق أصيل لكل مواطن فلسطيني, وهذا الحق لا يمكن للمفاوض الفلسطيني ـ ناهيك عن العربي ـ أن يتنازل عنه.. أما فيما يتعلق بالحدود, فإن نص القرار242 الشهير يتحدث عن دولة فلسطينية وفقا لحدود1967, والقدس عاصمة لها.
.. وأغلب الظن أن المفاوضات سواء غير المباشرة أو المباشرة بحاجة إلي خطوات عاجلة وجريئة لبناء الثقة, والجانب الفلسطيني والعربي بحاجة ماسة إلي خطوات إسرائيلية واضحة حتي يمكنه أن يشعر بوجود شريك في عملية السلام.
وهنا فإن تسليم بعض المناطق إلي السلطة الوطنية الفلسطينية ستكون بادرة مهمة, فضلا عن إزالة الكثير من الحواجز الإسرائيلية, والمهم إطلاق سراح الآلاف من الأسري الفلسطينيين.. وسيكون من المفيد في مثل هذه الأجواء إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف شاليط, في إطار صفقة لتبادل الأسري, كما أن الجانب الأمريكي والرباعية الدولية يمكنهما أن يعقدا اتفاقا بوقف الاستيطان مقابل وقف العمليات العسكرية خلال فترة التفاوض.
.. وتبقي في النهاية مؤشرات جيدة علينا الاستفادة منها, وعلي سبيل المثال التصريحات الأمريكية ـ التي جري تسريبها ـ وتتعلق بأن الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار إلي الأبد في إعطاء غطاء للسياسة النووية الإسرائيلية, وأن هذه السياسة تثير انتقادات واسعة لدي أصدقاء الولايات المتحدة في العالم.
وتبدو الدبلوماسية المصرية والعربية مطالبة أكثر من أي وقت مضي بتفعيل هذه الرؤية الأمريكية الجديدة, وهذا لا يعني عدم التلويح بحالة عدم الثقة في الشارع العربي, وعدم القدرة علي الصبر في بعض العواصم العربية, والمهم أن السلام والمبادرة العربية للسلام لن تنتظر طويلا أو إلي ما لا نهاية.
وأغلب الظن أن الجانب الأمريكي بدأ يدرك الأجواء الملتهبة علي الجانب العربي, وبات الآن مطالبا بتحويل الوعود والضمانات إلي حقائق ملموسة علي الأرض.