الوطن - سلطنة عُمان

العراق بحاجة للوفاق وليس للشقاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

التنوع العرقي والديني والمذهبي سمة عامة في كل الأمم والشعوب ومنذ بدأت ذاكرة التاريخ المعاصر تستوعب مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، صار من المستحيل ان تتفق سياسة العزل والإقصاء لأي فئة مع مفهوم الديمقراطية والتعايش السلمي واحترام مصالح كافة الأطراف حتى في ظل خلافات في الرأي أو الايديولوجية، وأمامنا مثال مهم على ذلك.

وهو انهيار الاتحاد السوفييتي، ومجيء نظام في روسيا أكثر انفتاحاً على الغرب، وبادر إلى الأخذ بالتعددية على النمط الغربي واقتصاديات السوق وغير ذلك من آليات الحياة السياسية والاقتصادية التي كانت روسيا في ظل النظام الشيوعي السابق تعتبرها من المحرمات، بل من المهلكات.

لكن روسيا الحديثة استوعبت الدرس وابقت على الحزب الشيوعي في الساحة السياسية ولم تطارده كما طارد البلاشفة النظام السابق عليهم.

والعراق وهو يمر اليوم بتجربة مماثلة، هو في أمس الحاجة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين حتى ينجو من التهلكة التي تتربص به بسبب سياسة عزل وإقصاء ومطاردة شرائح ذات وزن في الساحة العراقية بسبب انتماءاتها المذهبية او الدينية، حيث يؤكد القائمون على الحكم في بغداد أنهم يمارسون الديمقراطية السياسية ويعطون الشعب حرية الاختيار بينما يستبعدون المرشحين المخالفين لهم في الرأي او الذين كان لهم ماض في العمل في حزب البعث.

في مرحلة من المراحل، ورغم ان القادة الكبار في البعث قد حوكموا وثم تنفيذ الحكم فيهم، الا ان التحول الى اقصاء كتل سياسية بتهم لا تثبت كثيراً أمام التمحيص الموضوعي للموقف، يشي بأن القائمين على الحكم والمنظمين للعملية الانتخابية قد وقعوا في فخ الشعور بنشوة الانتصار.

واخذوا يفكرون بعقلية المنتصر ومن ثم استهوتهم تلك اللعبة السياسية التي تمارسها بعض الدول الكبرى حين تلون الحقائق بلون المصالح الذاتية وتكثف الدعاية الاعلامية لإرغام الرأي العام المحلي والدولي على الأخذ بها كمسلمات.

ومن ينشد الاستقرار والتنمية لبلاده يسعى لتجنب انشقاق فئات من المجتمع تتعارض مصالحها مع مصالح النخبة الحاكمة.

العراق بحاجة ماسة الى التعالي على الجراح والأحقاد التاريخية حتى يعيش الشعب العراقي في وئام تحت سلطة منتخبة انتخاباً حراً ديمقراطيا يستجيب للمعايير الدولية القائمة، وصفحات التاريخ حافلة بالمواعظ في هذا المجال وبتجارب أنظمة سادت ثم بادت، وهي بادت أساساً لأنها لم تتعلم من التجارب السابقة.

العراق حافل بالامكانيات المادية والبشرية الكفيلة بتحقيق نهضة كبرى والخروج من عنق الزجاجة الحالي، شريطة أن ينجو سياسيوه من عقدة الاصطفاف مع الأقوى، ومن الغرق في الشعور بنشوة النصر.

إن الاهتمام بعملية التنمية وإعادة اللاجئين العراقيين الذين انتشروا بالملايين في القارات الست ورفع راية التسامح بين كافة الفرقاء وإعلاء مبدأ (عفا الله عما سلف) كلها خطوات ملحة.

بل أكثر إلحاحاً من محاولات الانفراد بالسلطة او حيازة فصيل مسلح لمواقع القوة، تحت غطاء إعلانات مدفوعة الأجر في وسائل الاعلام، فالانتماء الى الوطن شعور يتكون داخل المواطن من خلال شعوره بالأمان والاستقرار والأمن والطمأنينة على نفسه وأهله وضمان مستقبل آمن لأبنائه من بعده وهذه أبسط حقوق الانسان، والحقيقة أن هذا هو الامتحان الحقيقي لقادة العراق الجدد وليس الاستمرار في تبادل الاتهامات ووضع خطط الاقصاء.. باختصار العراق بحاجة للوفاق وليس للشقاق.

Email