المصالحة بين السودان وتشاد

المصالحة بين السودان وتشاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ سنة 2004 تعيش تشاد أزمة داخلية حادة، بسبب الصراع على السلطة، ومنذ ذاك التاريخ عرفت العلاقات التشادية ـ السودانية تدهوراً متواصلاً.

وكان الهجوم الذي قادته إثنية التماس ـ وهي إثنية معارضة لإثنية الزغاوة، التي ينتمي إليها الرئيس التشادي إدريس ديبي ـ والمساندة من الفارين من الجيش التشادي، والذي استهدف مدينة أدري الحدودية الواقعة في أقصى شرق البلاد، يوم 18 ديسمبر 2005، جعل نجامينا تتهم السودان بتدريب ميليشيا تعد نحو 3000 رجل على الحدود بين البلدين، وبأن المجموعات المتمردة قدمت من السودان، وهو ما قاد إلى مضاعفة التوتر في العلاقات بين الدولتين الجارتين تشاد والسودان.

ولمدة سبع سنوات كانت الحكومة التشادية تعتبر نفسها «في حالة حرب مع السودان». بيد أن هذه الحرب التي تبادل فيها البلدان دعم الحركات المسلحة المناوئة، وحيث كانت ترتيبات إشعال النار فيها هي أزمة دارفور، أشرفت على نهايتها في شكلها الحالي.

ففي الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى الخرطوم يوم الاثنين 9 فبراير الجاري واستمرت يومين، وهي الأولى له منذ ست سنوات، وقع مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير اتفاقاً يضع حداً للنزاع بين البلدين. فقد أعلن الرئيس السوداني عمر البشير في كلمة في «قاعة الصداقة» (قاعة المؤتمرات في الخرطوم) أمام الرئيس التشادي: «أقول لشعبينا في السودان وتشاد، نحن بهذا طوينا صفحة المشاكل بيننا نهائياً، واتفقنا على العمل سوياً لتحقيق الأمن والاستقرار وجعل الحدود بيننا منطقة لتبادل المنافع».

ومن جانبه قال الرئيس التشادي أمام قرابة ألف شخص احتشدوا في القاعة: «جئت بقلب مفتوح ويد ممدودة لكتابة صفحة جديدة في علاقاتنا»، ودعا المعارضة التشادية المتمركزة في دارفور إلى «العودة إلى البلاد» والمشاركة في الانتخابات المقبلة.

وكانت المفاوضات المباشرة بين السودان وتشاد قد بدأت في الدوحة منذ شهر مايو 2009، حيث تم التوقيع على اتفاق تاريخي بين البلدين، في إطار المساعي الحميدة للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، والزعيم الليبي معمر القذافي رئيس الدورة السابقة للاتحاد الإفريقي، وذلك بهدف تطبيع العلاقات بين السودان وتشاد. ونصت بنود الاتفاق على امتناع الطرفين السوداني والتشادي عن التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، وعدم استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها بين الطرفين. وكان البلدان أعادا علاقاتهما الدبلوماسية يوم 15 يناير 2010.

وفي هذا الإطار، منحت السلطات التشادية متمردي دارفور مهلة حتى 21 فبراير الجاري لمغادرة الأراضي التشادية. ويخص هذا الأمر بالذات الحركة من أجل العدالة والمساواة التي يقودها خليل إبراهيم، الذي التقى لمرتين في نجامينا مستشار الرئيس السوداني غازي صلاح الدين المكلف بملف دارفور. ويرى المراقبون أن هذه الحركة ملتبسة، لأنها مرتبطة بصورة وثيقة بجناح الترابي في حركة الإخوان المسلمين، وتتألف حصراً من قبيلة «الزغاوة»، وقد حاربت مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، وضده وفقاً لتبدل الظروف. وتستفيد الحركة من تمويل الإخوان المسلمين.

أما متمردو التشاد فقد اجتمع بهم قادة أمنيون سودانيون، وليس حتى مسؤولين سياسيين، وخيروهم بين «الانضمام إلى نجامينا أو الرحيل». وهناك عوامل عديدة أسهمت في تحقيق الانفراج بين السودان وتشاد. فالرئيس إدريس ديبي، الذي وصل إلى السلطة سنة 1990 عن طريق تمرد قاده انطلاقاً من إقليم دارفور، خصص أكثر من 500 مليون دولار من العائدات النفطية لشراء أجهزة عسكرية متطورة وتحديث الجيش، الأمر الذي جعل المتمردين عاجزين عن تجاوز شرق تشاد.

وفي المقابل يواجه السودان استحقاقين كبيرين، الانتخابات الرئاسية المقبلة في ابريل 2010، والاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان في يناير 2011. وتعتبر العلاقات السودانية ـ التشادية مترابطة ومتداخلة، فالتداخل القبلي بين البلدين يشكل أحد العوامل التي لها تأثيرات على العلاقات وأنظمة الحكم. وتتأثر حكومة تشاد دائماً بموقف نظيرتها في السودان، لأسباب جغرافية واستراتيجية.

Email