دول الخليج والعالم العربي

دول الخليج والعالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا قدمت دول الخليج للعالم العربي منذ السبعينات وحتى الآن؟ سؤال يجب طرحه بعد مرور ما يقرب من عقود أربعة، على تبلور الدول الخليجية ككيان استراتيجي في المنطقة.ورغم أهمية التساؤل فإن أحداً لم يقترب منه، ربما بسبب حياء البعض، وربما بسبب تعالي البعض الآخر.

فعند التعامل مع الخليج تبدو كل تعقيدات الشخصية العربية في تعاملها مع الآخرين، من منطق ابتعاث شوفيني وتواريخ قاهرة، ورغبة لا يُستهان بها في الحفاظ على ما تبقى لدى البعض في المنطقة.

لا تبتعد الإجابة عن هذا السؤال، عن الحقول الأربعة المتعارف عليها، وهي السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، بوصفها أهم ساحات الانجاز والعطاء المتعارف عليها في المجتمعات الإنسانية.

بالنسبة لحقل السياسة، يمكن القول ان منطقة الخليج، ورغم ارتباطها بإنتاج النفط والمخاطر المرتبطة به، كأهم سلعة استراتيجية عرفها العالم منذ اندلاع حرب أكتوبر 1973 وحتى الآن، كانت أكثر المناطق هدوءاً في العالم العربي.

فمعظم المشكلات السياسية الكبرى التي ارتبطت بها، جاءتها من خارجها وليس من داخلها.ويأتي على رأس هذه المشكلات حربا الخليج الأولى والثانية، اللتين دفعت خلالهما دول الخليج ثمناً باهظاً لسياسات صدام حسين العدوانية.

كما أن سياسات دول الخليج لم تشذ عن الإجماع العربي في الصراع العربي الإسرائيلي، والموقف من مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ومساعدة العراق في حربه ضد إيران، وغيرها من القضايا الحيوية الأخرى.

ومن الملاحظ أن سياسات دول الخليج حتى في ظل التأييد للتوجهات العربية العامة، تتسم بالهدوء وعدم الشطط؛ فالموقف من مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، لم يتسم بعدوانية غيرها من النظم العربية الأخرى، ولم ينقد وراء محاولة البعض النيل من مصر، بقدر ما اتسم بالخط العربي العام بهدوء ودون انفعال.

وربما كانت هذه سمة من سمات الدول الخليجية بشكل عام في مجال التوجهات السياسية، وهي سمة ترتبط بالشخصية الخليجية ذاتها، الأقرب للمحافظة منها للسلوكيات الانفعالية الهوجاء.

ومما ساعد على نجاح هذه السياسات، عدم وجود طموحات سياسية كبرى للدول الخليجية في المنطقة، على غرار المشروعات الناصرية أو البعثية أو الفرانكوفونية. وعلينا أن نضع في الاعتبار هنا حداثة النشأة بالنسبة لمعظم الدول الخليجية مقارنة بالدول العربية الأخرى، وهي حداثة فرضت بالتأكيد تواضعاً في الأهداف والمشروعات، أو لنقل الأحلام السياسية.

ورغم أن هذه السياسات المحافظة اكتست نوعاً من الإعلان المباشر في السنوات القليلة الماضية، كما ظهر من خلال موقف السعودية الواضح تجاه بعض الأطراف في لبنان وفلسطين، وكما ظهر أيضاً من خلال مواقف قطر عبر قناة الجزيرة، فإنها ما زالت حتى الآن تتسم بالمحافظة والهدوء، بل وربما عدم الظهور في طليعة الأحداث.

وبشكل عام، يمكن القول انه في ما عدا القرارات المتعلقة بالسياسات النفطية، فإن دول الخليج ارتبطت بالتوجهات السياسية العربية العامة ودعمتها، دون أن تحاول أن تبرز في صدر الأحداث، وإن كان هذا لا يعني عدم القيام بأدوار خلفية غير معلنة بخصوص بعض القضايا، وهي مسألة من غير المعروف ما إذا كانت سوف تستمر في المستقبل أم لا.

ورغم ميل بعض الدول الخليجية لدول عربية بعينها أكثر من غيرها، فإن توجهاتها السياسية اتسمت بشكل عام بالتوازن في التعامل مع معظم الدول العربية، بما في ذلك دول الأطراف.لقد ساعدت هذه السياسات المتوازنة دول الخليج على التوسط من أجل حل الكثير من القضايا العربية، سواء داخل البلد الواحد أو في ما بين الدول العربية ذاتها.

على المستوى الاقتصادي، يمكن القول ان دول الخليج العربي كانت وما زالت الملاذ الآمن للملايين من العمالة العربية الوافدة، منذ السبعينات وحتى الآن، حيث مثلت تحويلات العمالة العربية في الدول الخليجية ركناً أساسياً في اقتصاد الكثير من الدول، مثل مصر والأردن واليمن وسوريا والسودان والمغرب.

بل إنه يمكن القول أيضاً إن تلك التحويلات لعبت دوراً كبيراً في استقرار أوضاع تلك الدول، بشكل لا يمكن التنبؤ معه بالسيناريوهات المتوقعة في حال غياب هذه التحويلات.

كما أنه لا يستطيع أحد أن يتنبأ بوضع الطبقة الوسطى في الكثير من هذه الدول، دون لجوئها للعمل في منطقة الخليج، وبشكل أساسي في ما يتعلق باستقرار أوضاعها وتحديث شؤونها وتعليم أبنائها.

لا يقف الأمر فقط عند مسألة العمل، لكن الأمر المهم هنا هو المناخ الإنساني الذي احتضنت فيه الدول الخليجية هذه العمالة، بغض النظر عن خلفياتها وتوجهاتها، حيث نالت العمالة العربية تقديراً خاصاً من محيط الدول الخليجية.

واللافت للنظر هنا، أنه لا الحكومات الخليجية ولا شعوبها تحكمت فيهم أهواء السياسة في التعامل مع العمالة العربية الوافدة، وهي مسألة لا نجدها في الكثير من الدول العربية الأخرى، التي تنتهك حقوق، وأحياناً كرامة، العمالة العربية الوافدة، ليس فقط على مستوى الأفراد، ولكن بتحريض من حكوماتها عند اندلاع أول خلاف سياسي مع حكومات الدول المصدرة لهذه العمالة.

كما قدمت الحكومات الخليجية العديد من المساعدات للكثير من الدول العربية، سواء كانت منحاً لا ترد أو بشروط ميسرة.إضافة إلى ذلك، ساهم الكثير من الدول الخليجية بالكثير من المعونات المباشرة العينية والمادية، في الكثير من المناطق المنكوبة في المنطقة، في فلسطين والسودان واليمن وغيرها من المناطق العربية الأخرى.

أخيراً، يجب أن لا نتجاهل هنا حجم الاستثمارات الخليجية في العالم العربي، وتوسعها في كل أرجاء المنطقة، وهي استثمارات لعبت دوراً كبيراً في تدعيم الاقتصادات العربية من ناحية، وامتصاص نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، وتأجيل الكثير من الاضطرابات المرتبطة بذلك.

يبقى في النهاية الحديث عن الإسهامات الخليجية في حقل الاجتماع والثقافة والتعليم، وهي إسهامات تحتاج لتناول آخر.

كاتب مصري

salehabdelazim@hotmail.com

Email