إضاءة

«الساتو» و«الناتو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدعوة إلى قيام تحالف الجنوب ـ جنوب «الساتو» بالتوازي مع حلف الشمال ـ شمال «الناتو»، التي انطلقت من القمة الإفريقية اللاتينية الثانية التي استضافتها فنزويلا في جزيرة «مارغريتا» التاريخية نهاية الشهر الماضي، بهدف ملء الفراغ في الجنوب، الذي لولاه ما استطاع الشمال التمدد فيه على حساب الجنوب، هي دعوة استراتيجية بناءة يجب الحوار حولها وتفعيلها عمليا، حيث تهدف لإحداث التوازن العالمي بين القوى والتجمعات القارية وإنهاء سيطرة الشمال على الجنوب.

والمعروف أن تحالف الشمال القاري الممثل في «حلف الناتو» والذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، كان يضم الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية فقط في فترة الحرب الباردة، في وجود «حلف وارسو» الذي كان يضم الاتحاد السوفييتي ودول شرق أوروبا.

وبينما الأفضل أن نعيش في «عالم بلا أحلاف» عسكرية، في «عالم بحلف واحد» لأغراض السلام والتنمية، فقد كان وجود الحلفين كل في مواجهة الآخر يصنع نوعا من التوازن الدولي بين الدولتين العظميين في ذلك الوقت، بما منع اندلاع الحرب الساخنة بينهما أو بين الشرق والغرب، وأبقاها حربا باردة على مدى خمسة عقود.

غير أن غياب حلف وارسو بعد التغيرات الدراماتيكية في الاتحاد السوفييتي وفي أوروبا الشرقية وبقاء «حلف الناتو» وحيدا في العالم، صنع فراغا كبيرا أتاح للغرب أن يتمدد في فراغ الشرق، وبدلا من أن ينتهي دور حلف الناتو بعد انتهاء المواجهة بين الحلفين، بقي الحلف حلف كل الشمال الشرقي والغربي، بل طور استراتيجيته من الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، ومن العمل داخل أوروبا للتوسع خارج أوروبا، ومن الشمال فقط إلى الجنوب أيضا في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

ولهذا رأينا دوره العسكري الهجومي والتوسعي وحتى بالغزو والاحتلال في دول الجنوب، في العراق ونراه في أفغانستان وفي دارفور وعلى سواحل الصومال بل ومع إسرائيل في فلسطين، بعد أن أتاح الفراغ لـ «حلف بروكسل» ولأوروبا الغربية التوسع شرقا في أوروبا الشرقية في دول «حلف وارسو»، بل في دول الاتحاد السوفييتي ذاته بما لم يخل بالتوازن فقط بين الشرق والغرب، بل بين الشمال والجنوب أيضا.

وإذا كان لدرس الشرق والغرب وتمدد الغرب في فراغ الشرق من نتيجة، فهي أن الفراغ الذي هو «معمل الشيطان» في تراثنا الديني، هو الخطر الأكبر على أمننا وأماننا سواء على أنفسنا أو من غيرنا، ولأن الفراغ لا ينتج إلا من الضعف بما يخفض من المناعة ضد الاختراق الخارجي، سواء الفيروسي أو الاستعماري لا فرق، والضعف ونقص المناعة لا ينتجان إلا من التفكك وغياب التكامل والوحدة. من هنا فإن سد الفراغ يبقى هو الوقاية والعلاج معا.

وإذا كان «الناتو» يضم تحالفا شماليا بين قارتين هما أوروبا وأميركا الشمالية، ويضم اتحادين كبيرين هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ويعني حلف دول شمال المحيط الأطلسي، فإن «الساتو» المطلوب تأسيسه لسد الفراغ في الجنوب بما يمنع تغول مصالح الشمال على حقوق الجنوب ويستعيد التوازن العالمي بين الشمال والجنوب، يضم ثلاث قارات جنوبية هي آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، ويعني تحالف دول جنوب الأطلسي والهادئ والهندي التي سبق أن عانت من استعمار الشمال وما زالت تعاني اليوم من سيطرة ونفوذ الشمال.

وقد حث الزعيم الليبي ورئيس الاتحاد الإفريقي معمر القذافي والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز رئيس اتحاد دول أميركا الجنوبية «ميركو سور»، في القمة الثانية لأميركا الجنوبية وإفريقيا، دول المنطقتين إلى النضال والانضمام لتحالف دولي جنوبي مواز للتحالف الدولي الشمالي، للدفاع والتنمية وليس للهجوم والتوسع، لملء الفراغ ولإرساء توازن عالمي جديد يجابه الهيمنة الشمالية.

كاتب مصري

mamdoh77t@hotmail.com

Email