مشكلة العملة الخليجية الموحدة!

مشكلة العملة الخليجية الموحدة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م وضع أسساً لكيان خليجي إقليمي جديد حيث تضمنت الوثيقتان الرئيسيتان للمجلس النظام الأساسي والاتفاقية الاقتصادية الموحدة مبادئ ومعالم استراتيجية لتكامل سياسي واقتصادي في المستقبل، فقد نص النظام الأساسي على أن مجلس التعاون مشروع تنسيقي تعاوني بين دول المجلس الست سيرقى إلى اتحاد بين دوله، ونصت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة إلى تكامل اقتصادي من منطقة تجارة حرة، وتوحيد التعرفة الجمركية، والسوق المشتركة والاتحاد النقدي والعملة الموحدة.

وطوال أكثر من ربع قرن والمواطنون في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يتطلعون إلى تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقية الاقتصادية والنظام الأساسي للمجلس، وقد خطت دول المجلس خطوات على طريق التعاون ولكنها محدودة وبطيئة.

وفي منتصف الثمانينات أوصت مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس بالعملة الخليجية الموحدة وفي بداية الألفية الثالثة وافق المجلس الأعلى على البرنامج الزمني لتوحيد العملة على أن يتم ذلك في عام 2010م، وسرعان ما اقترب ذلك العام.

وأصبح ذلك الالتزام مشكلة ودبت الخلافات حول مقر البنك المركزي الخليجي الموحد، وترتب على ذلك مشكلة لدى بعض دول المجلس حول العملة الموحدة! لأن توحيد العملة له علاقة بأمور أخرى عديدة وليس مجرد تسمية العملة وصدور قرار بإصدارها، فالأمر يتعلق بالسوق المشتركة والتكامل الاقتصادي، وعلاقة العملات الخليجية والعملة الموحدة بالعملات العالمية وبخاصة الدولار، ومسألة أسعار صرف العملات الخليجية الخ... هو اتحاد نقدي شامل وليس عملة موحدة فحسب، ما نحن بصدده مشكلة لكن لا يعني ذلك بأن مواجهتها ودراستها والوصول إلى رؤية بشأنها من المستحيلات.

إن المشكلات التي تواجه العملة الخليجية الموحدة طبيعية فلا نتوقع أن الأمر بهذه السهولة والسرعة فهذه قضية اقتصادية أساسية ولها تشعباتها ومشكلاتها، وقد عانت أوروبا عشرات السنين لتنجح في توحيد العملة، وان هناك خطوات يجب أن تسبق توحيد العملة تتعلق بالتكامل والتجارة البينية وغيرها نرجو أن يتدخل الاقتصاديون لتوضيحها للناس.

فهل هناك التزام أولاً بسياسة نقدية موحدة في المنطقة ثم بعد ذلك نفكر بالخطوات العملية والزمنية لتحقيق ذلك من جهد تشريعي لتوحيد القوانين في مجال التجارة وغيرها لذلك علينا ألا نبسط الأمور ولا يجب أن تكون الخطوات الواجب اتخاذها مبرراً لتأجيل أو تمييع مشروع العملة الموحدة، كما أننا يجب أن نعلم بأن الموضوع في التكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا يقتصر على توحيد العملة بل توحيد مجالات أخرى ثقافية وتعليمية ومؤسسية اقتصادية وسياسية.

لكن بكل تأكيد يعتبر التكامل الاقتصادي الأساس في التقارب والتعاون والاتحاد بين دول المنطقة حيث يجب التركيز في المرحلة القادمة على الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، وتشريعات لتوحيد المؤسسات في المجال الاقتصادي، ومهما أخذت مثل تلك المشاريع من وقت المهم أن نبدأ الخطوات في ذلك الاتجاه ليس نظرياً فحسب بل عملياً على أرض الواقع.

إن العالم يتجه اقتصادياً نحو التجمعات الاقتصادية والسياسية الكبيرة للاستفادة من العولمة وتجنب سلبياتها، وليس أمام دول الخليج العربية الصغيرة من مجال في المستقبل لتقوية اقتصادها وسط هذا المد العولمي العارم وأزماته إلا بالتكامل الاقتصادي، وهذا غير ممكن ما لم يصحبه تطور سياسي، ولما كان ولا يزال ذلك حساساً فإن التركيز على خطوات أساسية ممكنة للتقارب والتكامل الاقتصادي هي المطلوبة في هذه المرحلة.

نود ألا يتعامل البعض مع المشكلة التي تواجه العملة الخليجية الموحدة بالفعل وردود الفعل، فأي مشروع توحيدى تنموي كبير سيواجه مشكلات ومعارضة، فهناك من يتخوف من الآثار الجانبية السلبية لمثل تلك المشروعات لكن لو أمعنا النظر وفكرنا جدياً وبهدوء سنرى أن الآثار الإيجابية لمثل تلك المشاريع أكثر بكثير على المدى البعيد ونترك الاقتصاديين ليدلون بدلوهم في هذه المسألة لكن بكل تأكيد سنحصل على اقتصاد قوي وسوق مشتركة تصمد أمام الأزمات في المستقبل، وسنتمكن من زيادة الاستثمارات، وتحقيق استقرار نقدي ومالي كذلك تكون دول المنطقة أو الكيان الخليجي الاقتصادي الموحد قادرا على مواجهة الضغوط الخارجية أو الموقف من القوى الاقتصادية العالمية وعملاتها.

إن الأمر الطبيعي لدولنا النامية أن تسعى وهي تملك هذه المقدرات في هذه الفترة التاريخية إلى تقوية مقوماتها على كل المستويات وأهمها المقوم الاقتصادي، وهي فرصة تاريخية حتى نتوازى ندياً مع الآخرين وبخاصة إقليمياً عندها نتعامل معهم ككتلة كبيرة مؤثرة وليس دولاً صغيرة منفردة، ما نخشاه أن يكون التردد، أو مشكلة العملة الخليجية الموحدة القائمة هذه الأيام بين دول المجلس تؤثر على مجالات أخرى في سياق التعاون والتكامل.

لكن بكل تأكيد العقلاء في دولنا يدركون أبعاد ذلك الأمر، وليس مشكلة أن نواجه مشكلات في هذا المجال أو ذاك، ولكن كيف نتعامل معها بحيث نخرج بأقل الأضرار أولاً، ومن ثم بنتائج إيجابية منطلقنا فكراً استراتيجياً هدفه وحده دول مجلس التعاون، البعض يرى ان ذلك حلم ولكن نقول كثيراً من الأحلام والأماني تحققت على أرض الواقع.

كاتب كويتي

dr.tamimimalek@yahoo.com

Email