«بدون» الإمارات بأيدٍ أمينة

«بدون» الإمارات بأيدٍ أمينة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتجه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى حسم مشكلة عديمي الجنسية على أراضيها والمعروفين محلياً «بالبدون»، فقد أطلقت مؤخراً حملة واسعة بهدف تسجيل هؤلاء بسجلات الدولة توطئة لحل مشكلتهم إما بالتجنيس لمن تنطبق عليهم شروط الجنسية من الموجودين على أراضي الدولة قبل إعلان اتحادها في العام 1971، أو اعتبارهم من المقيمين بصورة غير شرعية ومطالبتهم باستخراج هوياتهم الأصلية.

ومنحت الدولة فترة نهائية للتسجيل، يعتبر المتخلف بعدها مخالفاً للقانون ويعرض نفسه للمساءلة. وستعطى للمسجلين بطاقة تعريفية إلى حين تسوية أوضاعهم القانونية. وتهدف المحاولة فيما تهدف الاطلاع على حجم المشكلة وتحديد عدد هذه الفئة، التي تقول أرجح التقديرات أنها تربو على العشرة آلاف شخص.

وستقوم الدولة - كما أعلنت - بمقابلات فردية لجميع أفراد هذه الفئة لدراسة أحوالهم ومن ثم تقرير ما إذا كانوا مستحقين للجنسية وهم عديمي الجنسية بحق، أو من المدعين الذين لا بد أن يستخرجوا جوازاتهم الأصلية إن كانوا يرغبون الإقامة في الدولة.

وكانت دولة الإمارات قد أعلنت على لسان وزير الداخلية سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان قبل سنتين إنها بصدد وضع حل نهائي وشامل لمشكلة عديمي الجنسية، وتجنيس المستحقين منهم، وبالفعل فقد تم تجنيس دفعة أولى من هؤلاء ضمت 1294 شخصاً في ديسمبر من العام 2006.

ثم أخذت بسياسة التريث في التجنيس - كما أكد العميد عبد العزيز مكتوم الشريفي، مدير إدارة الأمن الوقائي في وزارة الداخلية ورئيس اللجنة المشتركة لدراسة ملفات عديمي الجنسية في تصريح للبيان بتاريخ 2006/12/28 - ومرد ذلك كما قال «إلى أن اللجنة تدرس الملفات جميعاً، كل حالة على حدة حتى لا تظلم أحداً وحتى لا تعطي الجنسية لمن لا يستحقها».

وتعاني كل مجتمعات الخليج العربي من ظاهرة انعدام الجنسية لشريحة من سكانها، وإن تفاوتت نسبتهم إلى جملة السكان. ولعل الظاهرة تتركز في كل من سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية فيما يسمى «باسترداد الجنسية الأصلية».

ففي حديث مطول أجرته جريدة البيان مع وزير الداخلية العماني على بن حمود البوسعيدي بتاريخ 1998/12/28 أكد فيها بأن ثمة «مطالبات باسترداد الجنسية الأصلية لبعض المقيمين خارج عمان وهم من أصول عمانية أو من آباء عمانيين ولا يحملون الجنسية العمانية والمقيمين في شرق أفريقيا ويطالبون بالعودة إلى أرض الوطن».

أما البدون في المملكة العربية السعودية فحالة مؤقتة موجودة أساساً في حالة أبناء القبائل الذين نزحوا في فترات متفاوتة من ديارهم إلى مناطق حول الجزيرة العربية والتي تحولت إلى دول عربية حديثة في القرن العشرين، ويريدون العودة إلى مواطنهم الأصلية في المملكة العربية السعودية، ويمنح هؤلاء إقامة لمدة خمس سنوات ريثما تعدل أوضاعهم وذلك بكفالة مشايخ تلك القبائل المعتمدين لدى الدولة. ويحصل هؤلاء على الجنسية بصفة أصلية وليس بصفة التجنس.

أما مملكة البحرين فقد تخلصت من مشكلة انعدام الجنسية لديها في العام 2000 في بداية عهدها الجديد مع الشيخ حمد بن خليفة إذ أصدر مرسوماً بمنح الجنسية البحرينية لعشرة آلاف من البدون دفعة واحدة، ومع تغير قانون الانتخاب الجديد، فقد حظي هؤلاء بكامل الحقوق السياسية كحق الترشيح والانتخاب وتقلد المناصب السيادية. وهذا أمر نادر الحدوث في الأحوال الطبيعية. أما الحالة في قطر فلا نمتلك معلومات عنها ذات قيمة يمكن الاستناد عليها.

وقصة البدون في الكويت أشهر من نار على علم، وفيها ظهرت تلك التسمية، فقد وصل عددهم في الأول من أغسطس من العام 1990 إلى حوالي 221 ألفاً تناقص العدد بشكل حاد إلى حوالي 120 ألفاً بعد تحرير الكويت، حيث نزح أكثر من 100 ألف منهم أثناء الاحتلال إلى مواطنهم الأصلية.

وقد شكلت الحكومة «اللجنة التنفيذية للمقيمين بصورة غير قانونية» في العام 1993 لفتح ملفات للبدون المتبقين ودراسة حالتهم واقتراح المؤهل منهم للتجنيس. وتم التفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على اعتماد إحصاء العام 1965 وعدم وجود قيد أمني كشرطين لاكتساب الجنسية. والمشكلة في القيد الأمني أن الكثير من البدون - كما تشير المصادر الرسمية - قد تعاونوا مع قوات صدام حسين أثناء احتلالها للكويت، مما يجعلهم غير مؤهلين لاكتساب الجنسية.

والحق أن مشكلة البدون في الكويت قد دخلت في دهاليز السياسة المحلية، وباتت كالكرة بين أرجل لاعبين ماهرين يستخدمونها لمصالحهم، إن بالدعوة إلى عملية تجنيس هؤلاء، أو بالدعوة إلى رفض تجنيسهم المطلق. وقد تم تجنيس 3517 فرداً منهم على دفعتين في الأعوام 2000 و2001.

ثم توقفت العملية، بعد أن ثارت ثائرة المعترضين، لتستأنف العملية مرة أخرى في العام 2007، حيث من المنتظر في هذه السنة أن يجنس حوالي ألفين فرد من هؤلاء، وسط موجة من التشكيك والاعتراض والتعطيل، والبحث عن العراقيل بكل وسيلة!!

وإنني على ثقة بأن «ملف البدون» في دولة الإمارات الشقيقة «بأيد أمينة» وستحل القضية وفقاً لمقتضيات المصلحة الوطنية للدولة مقرونة بنظرة إنسانية حضارية اتسمت بها سياستها منذ نشأة الدولة. وكلي رجاء أن يكون أبناء المواطنات الإماراتيات المتزوجات من فئة البدون هم «أول الغيث» من المستفيدين من عطف الدولة ونظرتها الإنسانية.

كاتب كويتي

alyusefi@hotmail.com

Email