الرياض - السعودية

متى يتوفر الكاتب المتخصص؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست الكتابة، سواء كانت في مجال العلوم الاجتماعية، أو العلمية، أو الثقافية، مجرد مغامرة يجد فيها الكاتب تعبيراً خاصاً، أو مساهمة يعتقد بقيمتها ما لم يتقن أدوات العمل واعتبار كل ميدان له اختصاصه وحتى أسلوبه ومعالجة قضاياه، وثقافته..

هناك فوضى عامة عندما نجد اقتصادياً يحاول الكتابة في مجال الطب الوقائي، أو مهندساً يحاول تحليل خصائص النبات، أو علم الحيوان..

أتذكر أن مدرباً لكرة القدم فشل في إدارة فريق قومي، فتعرض لأسوأ نقد وتجريح، وحتى يبرئ ساحته ويدافع عن نفسه، جمع كل من تعرضوا له بالنقد في مؤتمر صحفي، وأمام المسؤولين عن إدارة وقيادة اللعبة، كان السؤال الذي وجهه لمنتقديه "ما هو وزن كرة القدم المتعارف عليه دولياً، وما محيطها؟" وأمام عجز كُتَّاب الرياضة سحب نفسه قائلاً: أرجو أن تثقفوا أنفسكم رياضياً"..

وهذه حقيقة ثابتة أي أن أي متعامل مع التحليل الرياضي، لا بد أن يكون رجل قانون يفهم فقه اللعبة والذي لا يعالج نشاطاً واحداً، بل لا بد أن يكون اختصاص الكتابة بلعبة كرة السلة أو القدم، يختلف عن ألعاب القوى، لأن لكل واحدة قانونها ومفاهيمها، وأصولها المتعارف عليها..

الذي يجري عندنا أن الأبواب مفتوحة، فبإمكانك الكتابة عن رسام بحجم "بيكاسو" لكنك حين لا تميز بين الألوان وأطيافها والعمق النفسي والبيئة التي نشأ فيها الرسام والمؤثرات التي اكتسبها أو عايشها، فإنك تبقى مجتهداً مقصراً، وقس على ذلك من يكتب في الاقتصاد وهو لا يفرق بين (آدم سميث) وماركس، أو فائض القيمة، والقيمة المضافة، أو نرى من ينتقد مجمعاً صناعياً مثل سابك، وهو لا يعلم، أو يفرق بين مصنع الحديد، أو إدارته الفنية، وفصل منتج أو دمجه مع آخر..

في زمن المعلومة المتوفرة، وتعدد المجالات والاختصاصات، ليس من حق أي إنسان الجرأة "في الأخذ من كل علم بطرف" كما هي قاعدة الثقافة التي نعتقد أنها موسوعية، والفارق بين القراءة العامة للوعي الخاص، والاختصاص فارق كبير..

صحيح أن الأدب مثلاً يمكن أن يبدع فيه الطبيب والمهندس، أو حتى عالم الطفيليات لكن من المستحيل أن يكتب أديب عن جيولوجية القمر، أو عن الفيزياء النووية، وحتى المهندسين لا يمكن دمج المتخصص في البناء مع مهندس النفط..

عموماً إذا كنا بالفعل نريد معالجات عالمنا الخاص والعام فإن التخصص أصبح مهمة أساسية، ولعل اتساع المعرفة والحصول عليها بوسائط سهلة، منحا الجيل الحاضر فرصاً لم تكن ميسورة لآبائهم، وبالتالي علينا أن نأخذ بتقاليد الدول المتقدمة التي جعلت لكل اختصاص قراءً وكُتَّاباً متخصصين..

يوسف الكويليت

Email