أطفال الشوارع.. الواقع والأسباب والعلاج

أطفال الشوارع.. الواقع والأسباب والعلاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأول من أكتوبر من كل عام تحتفل الدول العربية بيوم الطفل العربي، فتتنافس الدول والمؤسسات في كافة أقطارنا العربية والإسلامية.، بإقامة الاحتفالات الاستعراضية وإصدار تقارير منمقة تتحدث عن إنجازات مبهرة تحققت للطفولة العربية يحسبها القارئ فصلاً من فصول كتاب «المدينة الفاضلة».

ولكن المؤسف في المسألة أن المرء حين يلتفت إلى الواقع المعاش تفجعه الوقائع، كما تفجعه الحقائق التي تكشف عنها التقارير والدراسات والبحوث التي تعدها الجهات المستقلة العلمية والمستقلة، إذ تؤكد جميعها حقيقة ارتفاع معدلات الأطفال المشردين والمعرضين للانحراف وأطفال الشوارع،

فعلى سبيل المثال يشير تقرير «اللجنة المستقلة للقضايا الانسانية الدولية عن أطفال الشوارع»، أن هناك أكثر من ثلاثين مليونا من أطفال الشوارع في العالم، بينما يقول كتاب صدر في ألمانيا بأن عدد أطفال الشوارع يقدر عالمياً بـ 250 مليون طفل .

أما منظمة العمل الدولية فتشير تقديراتها إلى أن هناك أكثر من 246 مليون طفل في العالم يعملون في المزارع وفي القطاع غير الرسمي الذي يشمل تجارة الجنس ومعظمهم يعيش في الشوارع.، وتتراوح تقديرات ظاهرة أطفال الشوارع في الوطن العربي مابين ( 7 ـ 10 ) ملايين طفل.

لقد تأثرت المنطقة العربية بالاضطرابات والتحولات الكبرى التي طرأت على العالم بعامة، وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التحولات في البنى الاجتماعية، وأن ينشأ عنها أو بسببها العديد من الظواهر، ومن الثابت أن ظاهرة أطفال الشوارع تنشأ في أوقات الاضطرابات الاجتماعية أو التحولات السريعة، من التحولات الدولية التي أثرت على المنطقة كانت العولمة والليبرالية الاقتصادية المتوحشة وكانت الحروب والاحتلالات،

وكان النزاعات الأهلية والكوارث الطبيعية، نشأ عنها تفكيك دول، وموجات من الهجرة السكانية واقتلاع العديد من المجتمعات وتشريد الملايين من البشر والأسر، وأما على المستوى المحلي والذاتي هناك تحولات اقتصادية واجتماعية تتجلى في انفجار سكاني مخيف، فقد بلغ عدد سكان الوطن العربي ( 290 مليون نسمة ) 82% منهم عند خط الفقر أو تحته..( 90 - 100 مليون عربي يعانون من الفقر منهم نحو 73 مليون دون ما يسمى بخط الفقر ) .

هناك هجرات داخلية من الريف إلى الحضر أقامت مدن الصفيح حول العديد من المدن العربية، هناك اقتصادات متعثرة وعاجزة عن توليد فرص العمل والدخل لشرائح واسعة من المجتمع، تدنى معها مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حت بلغ ( 1769) دولاراً (عام 1990)،

وهذه الدخول لا شك أنها ماضية في انخفاض مستمر، لقد تزايدت معدلات البطالة (تشير التقديرات إلى أكثر من عشرة ملايين عاطل، في حين تشير التوقعات إلى وصولها إلى نحو 32 مليون)، كل ذلك أدى إلى عجز عن تلبية الحاجات الأساسية من مسكن وملبس، وغذاء ودواء وتعليم،

فكانت التسرب والأمية حتى وصلت معدلاتها إلى نحو 55 % بين الإناث ونحو 35 % بين الذكور، ناهيك عن تصدع الأسر وتفككها بالعنف والطلاق وسوء السلوك حيث الإدمان والانحراف بكافة تجلياتهما، وكان التسيب والإهمال وضعف الرقابة الاسرية،

فكانت محصلة ذلك كله حالة تردي كبيرة أصابت المستوى المعيشي للأسرة العربية، ( اعتبر تردي المستوى المعيشي جذر المشكلات التي يعاني منها الأطفال (الإعلان العربي بشأن الطفولة والتنمية 1986 )، عندها لم يجد الأطفال إلا الشارع يأوون إليه للعمل والعيش والصحبة).

أما في البعد الثقافي والقيمي لهذه التحولات فقد تجلى في تبدل منظومات القيم أمام طغيان القيم المادية على العلاقات الاجتماعية، وبدأ الشارع يشكل ثقافته ويحدد قيمه، ويفرضها على ساكنيه عبر آليات التقليد والمحاكاة والتعلم بالقدوة.

إذن نحن أمام ظاهرة مجتمعية بالغة الخطورة، أطفال فقدوا التوازن النفسي والعاطفي، فضعفت لديهم المبادئ والقيم، وضعف الانتماء، يعانون من أزمة هوية وغياب المرجعية، أطفال تسيطر عليهم مشاعر الظلم والغبن والخوف وانعدام الثقة بالآخرين،

فأصبحوا مجالاً سهلاً لكل الامراض الاجتماعية، وصيداً سهلاً لكل مجرم ومنحرف يرغب في استغلالهم فيتعلمون منهم الجريمة بأنواعها، ويعزز لديهم مشاعر الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام..، حتى بات العنف والعدائية ..والعدوانية، قواعد تعاطيهم مع المجتمع، (فكم من جريمة ارتكبها هؤلاء فهددت أمن المجتمع وفجعت الشارع العربي) ..

أما في مجال المعالجة والتصدي للظاهرة هناك العديد من المشروعات والجهود المجتمعية المهمة والرائدة، منها على سبيل المثال «ملجأً الأمان للأطفال» في صنعاء ـ اليمن الذي يأوي ( 27 طفلاً ) من أطفال الشوارع، في حين أن عدد أطفا ل الشوارع في اليمن يصل إلى 28 ألف طفل، منهم ما بين ( 13 إلى 15 ألفا) طفل في شوارع صنعاء وحدها (بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في 10/ 9/ / 2007 )

ومن المشروعات المميزة المشروع العربي لمعالجة ظاهرة أطفال الشوارع الذي تبناه ( برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة ( الأجفند ) والمجلس العربي للطفولة في عام 1999»(، لقد نفذ المشروع العديد من الأنشطة،

منها إصدار أول كتاب عن أطفال الشوارع، كما أنتج فيلماً وثائقياً عن المشكلة في مصر، وفي عام 2003 تم «وضع استراتيجية عربية للتصدي للظاهرة والتنسيق مع الدول المشاركة في المشروع العربي (السودان، المغرب، اليمن، لبنان، مصر)،

ففي إطار تنفيذ هذه الاسترايجية تم عقد العديد من الدورات التدريبية في مجال إعداد مشاريع لأطفال الشوارع ، وتأهيل المتعاملين مع الأطفال، كما تم وضع أدلة تدريبية لمعلمي أطفال الشوارع، كما تم تخصيص أحد فروع «جائزة برنامج الخليج العربي العالمية للمشروعات التنموية» للمشروعات الخاصة بأطفال الشوارع..

وربما كان « دليل اطفال الشوارع» من الأنشطة الرائدة للمشروع العربي، فهو دليل إرشادى حول أساليب وممارسات التدخلات العملية لمعالجة مشكلة أطفال الشوارع، خاص بمديري المؤسسات الأهلية العاملة في مجال رعاية طفل الشارع.، وفرق العمل الإدارية والفنية في هذه المؤسسات ( من أخصائيين اجتماعيين و أخصائيين نفسيين ومحاسبين وإداريين ومشرفي أنشطة وبرامج،

والقائمين على العمل بشكل عام داخل هذه المؤسسات) والراغبين في تأسيس مؤسسات تعمل في مجال أطفال الشارع ..كما يطرح العديد من البرامج الإنمائية لطفل الشارع منها : برنامج جمع شمل أطفال الشارع مع ذويهم، وبرنامج التعليم والتدريب المهني، وبرنامج زيادة الدخل لأسر أطفال الشارع...و برنامج الأسر البديلة..و برنامج التوظيف.

لا شك أن هذه المشروعات وغيرها نماذج إيجابية للتحرك المجتمعي على هذا الصعيد .، لكنها في معظمها مبادرات محلية لمنظمات غير حكومية، كما لا تؤطرها استراتيجية وطنية متكاملة. إن التصدي لمشكلة أطفال الشوارع بما تنطوي عليه من تعقيد، هو بالضرورة التصدي لمشكلات التنمية،

كما أن معالجتها تعتبر بالضرورة جزءاً لا يتجزأ من تحقيق التنمية المستدامة، وعليه فإن التعامل مع ظاهرة «أطفال الشوارع» لن يكون مؤثراً وفاعلاً ما لم يتم في إطار استراتيجية متكاملة لمكافحة الفقر .، وهذه المواجهة تتطلب جهداً جماعياً منظماً ومتكاملاً

ومنسقاً بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص..كما تتطلب أعلى درجة من المشاركة والتنسيق وتعبئة الموارد المجتمعية لتنفيذ استرايجية متكاملة واضحة المعالم تضمن تغيير رؤية المجتمع السلبية والرافضة لهؤلاء الأطفال.

هناك حاجة ملحة للتدخل السريع ولكن المنسق والمتكامل، فمع ارتفاع منسوب التحدي والخطر الذي تتعرض له المنطقة، تتزايد ظاهرة تسرب الأطفال إلى الشوارع العربية. وباتت تشكل خطراً لا يفيد فيه التغاضي والإنكار أو التوسل بالأوهام، فما التسول والتشرد والعمالة الهامشية إلا دليلاً واضحًا على أن الطفل بحاجة إلى حماية خاصة ومعدة من الدولة بجميع مكوناتها (الحكومية والأهلية والقطاع الخاص).

سياسي وبرلماني سابق وخبير قانوني أردني

jobeidat@gmail

Email