البراغماتية الفلسطينية إلى أين؟د. عصام سليم الشنطي

البراغماتية الفلسطينية إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أمل في أن تفرز الانتخابات التشريعية المقبلة في فلسطين المحتلة المقررة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري مجلساً تشريعياً فاعلاً وقوياً وممثلاً بصورة عادلة لمختلف القوى والاتجاهات والتيارات السياسية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني.

وأن تنبثق عن هذا المجلس حكومة اتحاد وطني تمثل كل الاتجاهات وتكون قادرة على إدارة الصراع مع إسرائيل وإدارة المجتمع الفلسطيني بطريقة تكفل له مزيداً من الصمود والتماسك والصلابة في مواجهة الاحتلال.

وأهم ما يميز هذه الانتخابات الثانية في فلسطين المحتلة هو قرار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالمشاركة عبر لائحة «التغيير والإصلاح» لتشكل تحدياً كبيراً لحركة فتح ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيما وأن الاستطلاعات تشير إلى إمكانية فوزها بعدد كبير من المقاعد الـ 132 في المجلس التشريعي.

المعروف أن حماس تعتبر أن وجودها داخل المجلس التشريعي الفلسطيني من خلال لائحة التغيير والإصلاح يشكل إحدى الوسائل لتحقيق شعارها «التغيير والإصلاح» ولتعزيز قوة الشعب وإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن الملفت للانتباه أن البيان الذي أعلنته حماس والذي يشرح برنامجها الانتخابي عكس موقفاً أقل تشدداً من السابق بدا وكأنه يسعى لتوسيع قاعدتها الانتخابية من خلال جذب عدد أكبر من الناخبين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم، مؤكداً أن حركة حماس لا تزال ملتزمة بمحاربة الاحتلال وبقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس والدفاع عن الشعب الفلسطيني بكل الوسائل.

أما الاختلاف الحقيقي الذي ميز هذا البيان عن غيره في السابق هو أنه لم يشر في بنوده إلى المطالبة بالقضاء على دولة إسرائيل، وهو هدف أساسي مذكور في ميثاق حماس.

فهل تسير حركة حماس باتجاه إسقاط البند الرامي إلى تدمير إسرائيل من برنامجها السياسي كما حصل سابقاً مع منظمة التحرير الفلسطينية، أم هو فقط تكتيك سياسي مرحلي؟

لقد تبنت حماس بياناً انتخابياً بدا فيه أن الحركة تعزز التزامها بالعمل حالياً على الاكتفاء باستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 لإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وأن مسألة تحرير باقي الأراضي الفلسطينية لعام 1948 ستعالجها القيادات المقبلة للحركة في المستقبل. هذا في الوقت الذي يستمر ميثاق حركة حماس الذي وضع قبل نحو عقدين بالإشارة إلى ضرورة تحرير كامل فلسطين الممتدة بين البحر والنهر.

وقد أعلن مرشح حماس عن دائرة القدس الشرقية محمد أبوطير في قائمة «التغيير والإصلاح» والذي يعتبر الرجل الثاني في قائمة حركة حماس بعد رئيسها الشيخ إسماعيل هنية في غزة أن حركته «ستتفاوض مع دولة إسرائيل بشكل أفضل مما كانت عليه المفاوضات على مدار السنوات العشر الماضية».

كما أشار إلى أن حركة حماس قررت خوض الانتخابات وعدم ذكر البند المتعلق بالقضاء على دولة إسرائيل في برنامجها الانتخابي لأسباب تكتيكية أكثر منها استراتيجية.

«وأنه في الماضي لم تفهم حركة حماس في السياسة وفهمت فقط لغة القوة»، مشيراً إلى أن حركة حماس أصبحت الآن حركة عالمية ونشيطة في كل نواحي الحياة «والآن أثبتنا أننا نفهم أيضا في السياسة أكثر من الآخرين».

الغريب أن قياديي حركة فتح بذلوا جهوداً كبيرة في السابق لإقناع القادة في حركة حماس بدخول الانتخابات في عام 1996، إلا أنهم رفضوا ذلك بسبب رفضهم القاطع أساساً لاتفاقات أوسلو الانتقالية التي اعتبرت أنها خيانة عظمى بحق فلسطين والشعب الفلسطيني من قبل زعماء حركة فتح وعلى رأسهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات.

والآن يبدو أن التطورات الإقليمية والدولية إضافة إلى الداخلية قد أقنعت حركة حماس بالتقدم خطوات إلى الأمام لتخوض الانتخابات المقبلة التي هي في الأساس نتاج لاتفاقات أوسلو الانتقالية.

لقد أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن الانتخابات التشريعية المقبلة في فلسطين ستجري على أرضية اتفاقات أوسلو وعلى أرضية خطة خارطة الطريق، وأن أي طرف يقرر المشاركة فيها فإنه يقر عملياً وفعلياً بهذه الاتفاقات، الأمر الذي يتناقض تماماً مع ما أعلنته حركة حماس منذ تأسيسها.

والذي قد يبشر بمسيرة سياسية مختلفة يمكن لها أن تقود إلى تخلي الحركة عن برامجها السياسية الأساسية في وقت أقصر من ذلك الذي احتاجته منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح على وجه الخصوص.

ألم تكن حركة فتح هي أول من أطلق الرصاص ورفعت شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولكنها وبعد انتقالها في مراحل متعددة في الستينات والسبعينات والثمانينات تراجعت هذه الشعارات الكبيرة والرنانة وصولاً إلى العام 1988 عندما أعلنت منظمة التحرير .

وبجهد كبير من حركة فتح في مؤتمر «سياسي واقعي» وثيقة الاستقلال والدولة الفلسطينية والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على 77 % من مساحة فلسطين التاريخية. وهذا حدث بإجماع كل فصائل منظمة التحرير في أعلى سلطة فلسطينية ألا وهو المجلس الوطني.

لا شك أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات مهمة مرتقبة في المجتمع الفلسطيني خاصة أن حماس ستصبح في السلطة وستتحمل مسؤوليات سياسية واقتصادية واجتماعية إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى، وهناك تحولات في إسرائيل تتمثل بتغيرات في الحكومة حيث سيكون فيها ائتلافات من حزب كاديما والعمل والليكود والأحزاب الأكثر تأثيراً في إسرائيل.

وهذا مجتمعاً سيؤثر حتماً على موازين القوى وعلى اللعبة السياسية وعلى إدارة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لا سيما وأن انتفاضة الأقصى كان لها أثر كبير على جميع الأطراف السياسية سواء في إسرائيل أو في فلسطين وسواء كانت هذه الأطراف من اليمين أو اليسار.

المهم بالنسبة لحركة حماس في المستقبل القريب هو أن تمتلك استراتيجية عملية واضحة للتعامل مع الطرف الإسرائيلي والأطراف الدولية سيما وأنها لا تستطيع أن تتجاهل هذه الأطراف بينما هي جزء لا يتجزأ من الحكومة والبرلمان الفلسطينيين.

فلا الطرف الإسرائيلي ولا الولايات المتحدة ولا حتى الدول الأوروبية الرئيسية تريد التعامل مع حركة لا تزال تعتبرها «إرهابية»، وترى أن مشاركة حركة حماس في أي حكومة فلسطينية مقبلة سيشكل عقبة في طريق إقامة دولة فلسطينية أو حتى على المساعي التي تدعمها الأطراف الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كما أن المجموعة الرباعية التي ترعى عملية السلام في الشرق الأوسط، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، أكدت أن الحكومة الفلسطينية المقبلة يجب ألا تضم مجموعات تستخدم العنف لتحقيق أهدافها.

وقال بيان صادر عنها «إن الحكومة الفلسطينية المقبلة يجب ألا تضم أعضاء لا يلتزمون بحق إسرائيل في العيش بسلام وأمن، ويمارسون العنف والإرهاب». وطالبت المجموعة الرباعية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعمل على وقف الهجمات على إسرائيل من قبل الجماعات المسلحة المعارضة لعملية السلام.

بناء على ما تم ذكره، فإن المرحلة المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت تتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. أولاً، لأن جميع الاستطلاعات وحسب جميع المحللين تشير إلى أن حماس ستحقق نصراً كبيراً في الانتخابات المقبلة .

وهذا سيتطلب من الأطراف الفلسطينية الكثير من الجهد والحنكة والعمل الجاد للتوصل إلى برنامج سياسي موحد يقود إلى هدف سياسي واحد يقبله الشعب الفلسطيني ويمنع حدوث حرب أهلية.

ثانياً إن تحقيق نصر سياسي من قبل حماس في الانتخابات المقبلة من شأنه أن يحدث توجهاً سياسياً نحو اليمين المتشدد في إسرائيل الأمر الذي قد يعرقل جميع المساعي الدولية لإحلال السلام مهما كانت متواضعة ويقود إلى المزيد من العنف والصراع لسنوات طويلة في منطقة هي في أشد الحاجة إلى التهدئة.

وهذا قد يفسر أمراً في غاية الأهمية وهو أن البراغماتية الفلسطينية الجديدة قد تصبح هي الفتيل لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

isam997@hotmail.com

كاتب وباحث سياسي

Email