أميركا والصحافة - مجدي شندي

أميركا والصحافة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كانت الولايات المتحدة تظن أن بإمكانها تغيير العقل العربي بحفنة من الكتاب الذين تتعهدهم بالرعاية المادية والمعنوية فإنها تكون واهمة. فلا المقالات مدفوعة الأجر التي نشرتها في الصحف العراقية غيرت العراقيين ولا الأربعمئة مليون دولار التي اقتطعتها البنتاجون من حساب آلتها الحربية لتدفعها إلى الصحف وأصحاب الأقلام ستغير من الأمر شيئا.

ولأني أشفق على دافع الضرائب الأميركي من تبذير لا داعي له أود أن أهمس في أذان مسؤولي إدارة بوش بعض النصائح متمنيا أن يعتمدوا حكمة عدو عاقل خير من صديق جاهل.

النصيحة الأولى أن أفكار المخططين والمنظرين الأميركيين عن العرب مشوشة، فالنخب التي يحتكون بها في العالم العربي ليست عينة دالة يمكن استنباط نتائج صحيحة منها. كما أن المواطن العربي ليس بسذاجة المواطن الأميركي الذي يمكن تغيير آرائه ومعتقداته بنشرة أخبار هنا أو مقال هناك.

عليهم أن يعترفوا أن جهل الأميركيين بالعالم من حولهم لا يمكن أن يعمم على بقية شعوب العالم، فالناس هنا على بساطتهم وظروفهم المعيشية الصعبة أذكياء يستطيعون أن يفرقوا بين من يمد لهم يد الصداقة .

ومن يبادئهم بالعداوة، وهم يقرأون تاريخ العالم أو يتناقلونه شفاهة وذلك بحكم النكسات التي توالت عليهم في العقود الأخيرة، ويدركون أن الوردة تظل وردة مهما تغيرت أسماؤها والبارود يظل بارودا.

الثانية أن آخر شعب يمكن أن تؤثر فيه الدعاية هو الشعب العربي، فقد تعامل لعشرات السنين مع أنظمة تحجب عنه الحقيقة وتحاول اقناعه بانتصارات وهمية، وتعلم كيف يسقط من حساباته كذب الصحف والراديو والتليفزيون والسينما والمسرح، ويبحث بطريقته الخاصة عن الحقيقة باعتبارها مبتغاة. فلا الطنين الإعلامي الذي سلطته الأنظمة على مدار الساعة جعله يغير رأيه فيها.

ولا صدق الإنجازات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام ليل نهار ولا اعتبر أن مجتمعاته متقدمة وأن بإمكانها الصعود إلى القمر إن أرادت.

إدراك المواطن العربي لما يقرأه ويسمعه ويراه على الشاشات انتقائي، فهو يصدق الأقوال المستندة إلى أفعال على أرض الواقع، ولا يميل كثير إلى التجريد، وهو بذلك النوع من الإدراك يستطيع أن يرمي إلى سلة المهملات بكل صنوف الحرب النفسية.

نعرف أنكم تستندون إلى تراث غربي في الحرب النفسية أسسته مقولة روميل « إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم» ومقولة ديغول :

«لكي تنتصر دولة ما في حرب عليها أن تشن حرباً نفسية قبل أن تتحرك قواتها إلى ميادين القتال، وتظل هذه الحرب تساند هذه القوات حتى تنتهي من مهمتها» ومقولة تشرشل :

«كثيراً ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ» لكن صدقوني لو جيشتم كل كتاب العالم فلن يستطيعوا أن يمحوا من ذاكرتنا أحداثا بسيطة مثل قصف ملجأ العامرية.

فما بالكم بتراث ضخم من مساندة إسرائيل وتدمير العراق وأفغانستان والمؤامرات التي تحاك من أجل تطويع إراداتنا والسيطرة على ثرواتنا، وانتهاك إنسانية معتقلينا في غوانتانامو وأبو غريب والسجون السرية في أوروبا والمعتقلات الطائرة التي تتجول كالوباء من عاصمة إلى عاصمة.

الكتاب العرب قسمان أحدهما أفنى حياته في مديح الظل العالي وهؤلاء لستم بحاجة إلى إنفاق أموالكم عليهم فهم معكم مادامت الحكومات تخشى بأسكم والثاني كتاب أحرار لا تشترى ذممهم وضمائرهم ولو أنفقتم ملء الأرض ذهبا.

لذلك فإن مخططكم الجديد محكوم عليه بالفشل مثلما فشلت إذاعة «سوا» ومحطة الحرة ومجلة هاي.

magdishendi@albayan.ae

Email