مسيرة الحقوق المدنية الأميركية إلى أين؟جيسي جاكسون

مسيرة الحقوق المدنية الأميركية إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف شهر ديسمبر الجاري الذكرى السنوية الخمسين لجلوس روزا باركس في تلك الحافلة وبزوغ نجم دكتور مارتن لوثر كينغ كزعيم مبشر لحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. فما الذي حققناه كأمة منذ ذلك الحين؟

نجحت حركة الحقوق المدنية في وضع حد لسياسات التمييز العنصري في أميركا. والآن يملك الأميركيون الأفارقة الحق في الجلوس في أي مكان يحلو لهم في الحافلة، وفي استخدام المطاعم والمكتبات، والذهاب إلى المدارس نفسها التي يذهب إليها الآخرون، ولقد تم شجب سياسات «الفصل مع المساواة» من قبل المحاكم الفيدرالية.

وأصبح مبدأ الاندماج وتكافؤ الفرص القانون السائد في البلد. والآن يملك الأميركيون الأفارقة حق التصويت، مدعومين بقانون حقوق التصويت الذي يتطلب من وزارة العدل مراجعة كل التغييرات في إجراءات التصويت في الولايات التي لديها تاريخ مشوب بسياسات التمييز العنصري.

لقد انتجت الحركة التي ساعد دكتور كينغ في إلهامها تغييراً في السياسة الوطنية وعملت الاستراتيجيات القانونية التي انتهجها ثورغود مارشال على تعبئة الدستور ضد انتهاك الحقوق الأساسية في أميركا. لقد قطعنا أشواطاً بعيدة منذ ذلك الحين.

لكن لا يزال أمامنا طريق طويل علينا أن نسلكه. صحيح أننا نحن الأميركيين الأفارقة نستطيع الآن ركوب الحافلات لكن المواصلات العامة الآن أكثر تكلفة من أي وقت مضى.

ونحن نستطيع الذهاب إلى المدارس نفسها التي يذهب إليها الآخرون، لكن الأحياء المنفصلة عرقياً وطبقياً أنتجت مدارس مفصولة عرقياً أكثر من أي وقت مضى، وتلك المدارس المنفصلة لا تزال مشوبة بتباين صارخ في التمويل وكفاءة المعلمين وجودة المرافق والتجهيزات.

فبعض الطلاب يذهبون إلى مدارس فيها أجهزة كمبيوتر في جميع صفوفها والبعض الآخر يذهب إلى مدارس لا تقدر حتى على نفقات توفير الكتب المدرسية للطلاب.

لقد ولت منذ زمن أيام جمعية «الكوكلوكس كلان» التي نشأت لترسيخ سيطرة البيض على السود في أميركا، لكن مجمعات السجون أصبحت من أسرع الصناعات نمواً في أميركا، وخاصة في الجنوب الذي لا يزال مشوباً بالفصل العرقي. ونظامنا القضائي المشوب الذي لا يزال أيضاً مشوباً بالتمييز العنصري، لا يشغل سوى قلة قليلة من الأميركيين الأفارقة لا تتناسب مع حجم هذه الشريحة في المجتمع الأميركي.

ونحن نملك الحق في التصويت، لكن أعداداً قياسية من الأميركيين الأفارقة يُجرّدون من ذلك الحق بقوانين تحظر على أصحاب السوابق الجنائية التصويت برغم انهم دفعوا ثمن أخطائهم للمجتمع.

والأسوأ من هذا كله هو أن التقدم الكبير الذي تحقق على مدار العقود الماضية أصبح محاصراً الآن بظهور رجعية متنفذة جديدة على الساحة. وها هم أنصار ترجيح حقوق الولايات يهيمنون مرة أخرى على قاعات الكونغرس، مدعومين بقضاة يمينيين عازمين على سحب البساط من تحت الضمانات الدستورية.

وشهد قسم الحقوق المدنية في وزارة العدل رحيلاً جماعياً للمهنيين المحترفين الذين ساءهم ما شاهدوه من تراجع في فرض القانون. وتقول صحيفة «واشنطن بوست» إنه بعد انخفاض الدعاوى بشأن جرائم التمييز العنصري والتمييز على أساس الجنس بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الماضية، ترك العمل في القسم حوالي 20% من المحامين العاملين هناك في السنة المالية 2005.

وذلك يعود جزئياً إلى الإجراءات التي طبقتها الوزارة للضغط على المحامين الذين لا يشاطرون إدارة بوش رؤيتها المحافظة حول الحقوق المدنية لترك العمل.

وإضافة إلى ذلك، فإن «العشرات» من أولئك المحامين الذين بقوا مع الوكالة تمت إعادة تعريف مهامهم «للتعامل مع قضايا الهجرة بدلاً من دعاوى الحقوق المدنية».

وينعكس الاضطراب في أداء أقسام الحقوق المدنية في لجنة تكافؤ فرص التوظيف وفي إلزام أرباب العمل باحترام قوانين الحقوق المدنية في عقود التشغيل. وكان أول عمل قام به الرئيس بوش بعد الإعصار كاترينا هو استخدام سلطته لإبطال العمل بالمعايير الفيدرالية لحقوق العمال وأنظمة تكافؤ فرص التوظيف والقيود على تشغيل المهاجرين غير الشرعيين.

وهكذا استخدم بوش الكارثة لتفريغ القوانين الفيدرالية من محتواها لمصلحة حقوق الولايات. والآن قانون حقوق التصويت أصبح موضع تساؤلات. فالرئيس تجنّب حتى الآن الالتزام بتجديد الصلاحية القانونية لإجراءاته التنفيذية.

ووزارة العدل لم تحرك ساكناً حيال القوانين التي مررتها ولاية جورجيا والتي تضع عراقيل جديدة في طريق الناخبين السود والفقراء. وتطلب الأمر تقديم التماس للمحكمة للاعتراض على تلك القوانين.

وكل هذه الأمور تنطوي على أخطار حقيقية، لأن الهوّة الشاسعة بين الأثرياء والفقراء تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، كما ظهر للجميع في أعقاب كاترينا. وبما أن الوجه العام للفقراء في أميركا ليس أبيض، فإن البرامج التي تهدف لمساعدة الفقراء تشهد تقليصاً كبيراً.

إننا نحرم بذلك الأولاد الفقراء من الفرص المتكافئة لبدء حياتهم، ثم ننفق بعد ذلك أموالاً أكبر للتعامل مع الجهل والجريمة والمرض. هكذا تجري الأمور مع ان معظم الفقراء في أميركا ليسوا من السود، بل هم من شرائح الشباب، والعازبين والبيض. ومعظم الفقراء ليسوا كسالى، بل هم يعملون بأقصى جهدهم.

بعد أن أنهت حركة الحقوق المدنية سياسات الفصل العنصري ونال الأميركيون الأفارقة حق التصويت، وجّه دكتور كينغ اهتمامه إلى واقع الظلم الاقتصادي. ولقد تحدّى أميركا بأن توفر لكل طفل بيئة صحية. وناشد البلد بأن يوفر لكل شخص عملاً كريماً يستطيع أن ينشل عائلة من الفقر.

وكان يدرك بأن معالجة هذه المظالم لا يمكن أن تتم إلا على المستوى الفيدرالي، لأن ترك الأمر للولايات كان سيطلق أيدي أولئك الذين كانوا يعتبرون تكافؤ الفرص تهديداً لمصالحهم.

والآن لا بد من مجابهة المساعي الرامية إلى الانقلاب على الحقوق المدنية وحقوق التصويت. لكن الأجندة الحقيقية التي لم يكتمل إنجازها بعد في أميركا هي ضمان تكافؤ الفرص بشكل عملي لا بشكل نظري.

وهذا يعني توفير نشأة عادلة وصحيحة لكل طفل وتوفير وظائف تستطيع أن تنشل العائلة الفقيرة من الفقر. بعد خمسين عاماً، بدأت القوى الرجعية تستجمع قواها مجدداً. وحان الوقت أن تتحرك هذه الأمة إلى الأمام وإلا ستواجه مصيراً لا يريده أي منّا.

ـ خدمة «لوس أنجلوس تايمز» ـ خاص لـ «البيان»

Email