التعليم العالمي واهتمامات الكونغرس

التعليم العالمي واهتمامات الكونغرس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على أحد أن الأنظمة التعليمية والتثقيفية في العالم العربي بحاجة ماسة إلى تقييم نوعي شامل ووضع استراتيجيات مدروسة للقيام بعملية تحديث وتطوير وتغيير جذري من أجل التخلص من آثار الأمراض »التجميدية أو الجمودية« والأمراض ذاتها التي أصابت التعليم بكل مراحله والقائمين على التعليم منذ عقود طويلة بل منذ العصر العثماني.

ولا يخفى على أحد أن عملية التحديث والتطوير والتغيير لا يمكن القيام بها من قبل الحكومات ومؤسساتها فقط بل لا بد من وجود عمل جماعي يضم كل الجهات المعنية الحكومية والخاصة لا سيما مراكز الدراسات والبحوث المتخصصة التي بدأت تنتشر بشكل كثيف في أنحاء العالم العربي ولكنها لم تنشط بعد في المشاركة الفعلية في هذه المجالات، كما هو الحال في الغرب والشرق.

كما لا يخفى على أحد أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بدأت الولايات المتحدة بمطالبة الدول العربية بإصلاحات مختلفة تشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم. ومن أجل ذلك أطلقت واشنطن المبادرات والمؤتمرات وغيرها من المساعي الجدية للبدء فعلياً في إحداث تغييرات جوهرية في هذه القطاعات،

وكانت مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا ووثيقة الإسكندرية للإصلاح في العالم العربي في مارس 2004 واجتماع وزراء التعليم في منتدى البحر الميت بالأردن في مايو 2004 ومنتدى المغرب في ديسمبر 2004 وأخيراً وليس آخراً منتدى البحرين الذي انتهى قبل أسابيع قليلة هي خير دليل على حرص واشنطن والعرب أيضاً على إحداث تغييرات في الأنظمة التعليمية العربية.

فالولايات المتحدة ترى في عملية الإصلاحات بشكل عام وإصلاح التعليم في العالم العربي بشكل خاص أساسي وجوهري للحفاظ على أمنها ومصالحها الحيوية في المنطقة لأن »الإرهاب« والتطرف الديني (الإسلامي) كما تراه واشنطن يرتبطان بشكل عضوي مع الفكر والمناهج التعليمية، وخاصة الدينية منها، المتبعة في العالم العربي.

وأن هذه الجهود لا تسير في الخفاء ولا تطبخ في الظلام بل أنها تسير بخطى واضحة وجلية وبمباركة عربية رسمية وغير رسمية. وقد بدأنا نلحظ في الفترة الأخيرة أن الاستجابة للمطالب الأميركية بخصوص التعليم بدأت تترجم على الأرض وخير مثال على ذلك عندما أعلنت الجزائر أنها قررت إلغاء تدريس المواد الإسلامية في المراحل الثانوية.

ولكن الذي لم يسمع عنه الكثير ولا يدركه غالبية الناس في العالم العربي وحتى داخل الولايات المتحدة أن مجلس النواب الأميركي أصبح مهتماً لمسألة التعليم وخاصة تلك التي تتصل بالعالم الخارجي حيث اعتمد بتاريخ 16 مارس 2005 قرار تأسيس سياسة تعليمية دولية للولايات المتحدة لدعم التفاهم المشترك بين دول العالم والعمل من أجل عالم خال من الإرهاب وتحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج ودعم المصالح الأميركية الخارجية ودعم استمرار قيادة الولايات المتحدة للعالم.

وأهداف هذه السياسة تتلخص في تسعة بنود حسبما جاء في الوثيقة، وهي:

1 ـــ التأكيد على أهمية سياسة التعليم الدولي من خلال تبادل الطلاب وإرسال الأميركيين لتلقي التعليم في الخارج لمحاربة الإرهاب وتعزيز أمن الولايات المتحدة.

2 ـــ تنشيط عمليات تبادل البرامج الحيوية وتعزيز وتشجيع تبادل الطلاب والأكاديميين.

3 ـــ التأكد من أن سياسة تأشيرات الدخول للأجانب والعمل في الولايات المتحدة سيعزز من ازدياد عدد القادمين للولايات المتحدة من قبل الطلاب الأجانب والمدرسين بما يتطابق مع الإجراءات الأمنية المتبعة.

4 ـــ زيادة أعداد الطلبة الأميركيين بشكل كبير الدارسين في الخارج وخاصة هؤلاء المنحدرين من الأقليات العرقية أو غير القادرين مادياً.

5 ـــ تعزيز وتحسين البنية التحتية للتعليم في الولايات المتحدة وذلك لضمان توفير طلبة أميركيين بخبرات واسعة تجاه العالم الخارجي وهذا سيعزز من أمن واستقرار الولايات المتحدة ويدعم المصالح الحيوية الأميركية في الخارج.

6 ـــ تنويع المناطق الجغرافية واللغات والمواد التعليمية التي يجب على الطلبة الأميركيين التعرف عليها والقيام بالأبحاث المختلفة لتعزيز المعرفة بالعالم الخارجي.

7 ـــ يجب على كل طالب أميركي تخرج من كلية أن يتقن لغة ثانية غير الإنجليزية وأن يمتلك معرفة وفهماً للعالم الخارجي.

8 ـــ تشجيع البرامج التي تقود إلى تعلم لغة ثانية غير الإنجليزية في مرحلة مبكرة من مراحل التعليم.

9 ـــ تعزيز الشراكة بين المؤسسات المختلفة الحكومية والخاصة ذات الصلة بالتعليم والشركات التجارية المختلفة لتوفير الموارد الأساسية لإنجاح السياسة الجديدة.

لا شك أن أحداث سبتمبر الإرهابية أحدثت زلزالاً مدوياً عند صناع القرارات في كافة المؤسسات الأميركية وأصبحت عملية البحث عن آليات وأساليب وطرق علمية وغير علمية لمعالجة أسباب الإرهاب ومنعه من الحدوث مرة أخرى الشغل الشاغل والقلق الأكبر في الولايات المتحدة، وهذا أمر مهم بدون أدنى شك .

ولا شك أيضاً أن الولايات المتحدة تفتقر إلى وجود علماء اختصاصيين بالعالم الخارجي وخاصة العالم العربي وخير دليل على ذلك هو استمرار ذات النهج الذي اتبعته كل الإدارات الأميركية منذ عقود طويلة. ولذلك فإن أي مبادرة تدعو لتوفير علماء متخصصون بالاجتماع والاقتصاد والسياسة في العالم العربي تصبح ضرورية جداً حتى يتم تفادي أخطاء كثيرة ترتكبها الإدارات الأميركية المتعاقبة.

ولكن هل فعلاً لم يكن هناك علماء متخصصون بالقضايا المختلفة تجاه العالم العربي والجميع يعرف أن معظم الجامعات الأميركية الكبيرة تهتم بدراسات شرق أوسطية ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من مراكز أبحاث ودراسات متخصصة بقضايا العالم وعلى رأسها قضايا الشرق الأوسط.

وهنا نسأل هل فعلاً أرادت الولايات المتحدة أن تستشير الاختصاصيين قبل غزوها على العراق ولم تجد أحداً غير الذي وجدته؟ وهل هناك نقص في أعداد المتخصصين العارفين بقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي حتى تستمر الولايات المتحدة بذات السياسة التي تتبعها منذ نصف قرن؟ وهل كان هناك نقص في عدد الخبراء العارفين بقضايا الإرهاب الدولي عندما فوجئت الولايات المتحدة بالعمليات الإرهابية في 2001 عام؟

نقول إنه عمل إيجابي أن تزداد أعداد الخبراء بالقضايا الدولية لدى الولايات المتحدة وخاصة فيما يتعلق بالعالم العربي لأنه أساساً هو المقصود من السياسة التعليمية الجديدة للولايات المتحدة. ولكن يبقى أمران أساسيان يجب على واشنطن الانتباه إليهما وهما: كيف تنظر الإدارة الأميركية إلى سياساتها الخارجية وخاصة تلك المتعلقة بالعالم العربي؟ وإلى من وأي نوع من الخبراء الذين ستستمع إليهم الإدارة الحالية والإدارات القادمة؟

وأخيراً لا بد من طرح سؤال آخر ومهم للعالم العربي: هل هناك مؤسسات علمية حقيقية حكومية وخاصة تحاول بناء كادر علمي يفهم طبيعة سياسات الولايات المتحدة وغيرها من الدول المهمة في عالمنا هذا حتى نساهم في عملية بناء الفهم المتبادل وتقليل الهوة والخلافات ليس في السياسة فقط ولكن في المجالات كافة.

isam997@hotmail.com

كاتب وباحث سياسي

Email