«عدوى الانقلابات» تصيب الاميركيين!، بقلم: عبدالله اسحاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 16 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 17 مايو 2003 شهد تاريخ العراق الحديث العديد من الانقلابات و«التنحيات» والاغتيالات السياسية، شأنه في ذلك شأن غيره من دول «العالم الثالث» الاخرى بما فيها الدول العربية، وكذلك دول «العالم الثاني» سابقاً او ما كان يسمى «المعسكر الشرقي»، وان بدرجة اقل، كما حدث مثلاً في الاتحاد السوفييتي ذاته او في تشيكوسلوفاكيا ايام «ربيع براغ» الشهير. اما في «العالم الاول» او «العالم الحر»، والذي يشمل دول اوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية بشكل اساسي، فقد ظل هذا الاسلوب في السياسة والحكم بعيداً عن الممارسة الداخلية، رغم ان هذه الدول هي التي كانت تخطط وتنفذ في الغالب او تشارك في التنفيذ، ولكن خارج الحدود! ومع تبني الولايات المتحدة سياسة «فرض الديمقراطية»، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، تصور البعض ان جنة الحرية وفردوس الديمقراطية ستفتح ابوابهما امام شعوب الدول «النامية»، ان لم يكن بالعدوى فعن طريق فرضها، رغم ان «الفرض» يناقض مبدأ «حرية الاختيار» التي تقوم عليها الديمقراطية اساساً، كما تجمع كل التعريفات بشأنها منذ عهد افلاطون وحتى اليوم، نظرياً على الاقل! وجاءت التصريحات والخطط الاميركية المعلنة بشأن منطقة «الشرق الاوسط» خاصة لتدعم هذا التصور، سواء من خلال «الشراكة الاميركية الشرق اوسطية» التي اعلنها كولن باول قبل شهرين، او عبر خطة الرئيس الاميركي جورج بوش لاقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والدول العربية خلال السنوات العشر المقبلة «لتشجيع الامن والاستقرار والسلام في المنطقة»، حسبما جاء في خطابه يوم العاشر من مايو الجاري. وبغض النظر عما اذا كان من الممكن اصلاً تحويل «الديمقراطية» الى سلعة للاستيراد والتصدير او صنف من الوجبات السريعة المعلبة، فإن الواقع الماثل امامنا يمثل صدمة كبيرة في الاتجاه المعاكس، خاصة لأولئك الذين تفاءلوا بسرعة، وربما اكثر من اللازم، بقرب افتتاح «السوق الحرة» للديمقراطية والحرية وفقاً للوعود الاميركية. فما شهدناه منذ بدء الاحتلال الاميركي للعراق، لا يدل على ان ريحاً صحية جديدة قد هبت على المنطقة حاملة الينا هواء الحرية وانفاس الديمقراطية، وانما يبدو ان الاميركيين هم الذين اصيبوا بعدوى الانقلابات والاعتقالات وتقييد الحريات. فقد تحولت صفة «التحرير» التي اطلقها الاميركيون على غزوهم للعراق الى اعتراف رسمي صريح بأنهم «قوة احتلال»، ثم بلغت العدوى ذروتها بالانقلاب الواضح على الحاكم الاميركي المعين الجنرال المتقاعد جاي غارنر قبل ان يكمل شهره الثاني، ليحل محله الحاكم الاميركي الجديد بول بريمر القادم من دهالز واقبية الاجهزة الامنية والمخابراتية. وبالنسبة لنا في المنطقة وفي العالم الثالث عموماً، ليس جديداً ان يحل انقلابي عسكري محل انقلابي امني او مخابراتي، ولا داعي للاحراج وذكر الامثلة! لكن الجديد هو ان يأتي الداء من حيث اردت الدواء، على عكس ما كان يدعو البغدادي القديم ابو نوامس «وداوني بالتي كانت هي الداء»!! وقد يجد انقلابيو المنطقة والمستبدون فيها، وما اكثرهم، ما يسرهم في هذا التحول ويزيل المخاوف التي ربما ساورتهم قبل ان يكتشفوا الواقع على حقيقته، وقد شجعهم ذلك على المزيد مما دأبوا عليه من قبل، ان كان هناك من مزيد. غير ان ذلك كله لا يجب ان يدفع المتضررين من الوضعين، القديم المزمن او الجديد المستورد، الى مزيد من الاحباط واليأس ووهن العزيمة، او حتى الامل في امكانية التغيير نحو الافضل، ولو بعد حين. لكن ذلك لا يتأتى الا بالجهد الدؤوب والعمل الجدي الواعي، وليس من خلال الاستسلام واللامبالاة انتظاراً لشحن «مساعدات الحرية» و«معلبات الديمقراطية» المستوردة من وراء البحار!

Email