هل آن الأوان لإصدار قانون دولي للإعلام والاتصال ؟ ـ بقلم د. مصطفى المصمودي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 14 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 15 مايو 2003 في كل أزمة وفي كل حرب تعود مواضيع كبرى إلى الصفحات الأولى من الجرائد وإلى الندوات التلفزيونية والحوارات الاذاعية وتتصل جميعها بالتعتيم الإعلامي وبالتغطية المضللة للحروب، وتشكك كلها في قدرة الوسائل الإعلامية العالمية على النزاهة والموضوعية فينقل الأخبار. ويضاف إلى هذه المواضيع مشكلة حماية الإعلاميين في تغطية الأحداث الدامية ووقاية المعالم التاريخية من الإتلاف. وفي حرب العراق تجلى دور تكنولوجيا الاتصال في تكثيف التغطية الإعلامية والمواكبة المصورة للأحداث، ومنها الكاميرا الرقمية والهاتف السمعي المرئي الذي خلص المراسلين الإعلاميين من اشكاليات فنية كبيرة بحيث اصبح الصحفي قادراً بذاته على نقل الحدث بالقلم والصوت والصورة في كل وقت، وبدون حاجة الى استعمال الآلات الكبرى للاصال عبر الاقمار الاصطناعية والمساعدة الفنية على التصوير. وبالاضافة الى هذا الاستعمال شاهدنا الى اي مدى يمكن الاعتماد على الانترنت لتعميق ما تنقله الفضائيات من معلومات. وقد بدأنا نتعود بهذه الشبكة ذات الطاقة الفريدة والتي لا يقدر على محاكاتها أي جهاز، لكن الجديد في الأمر هو اكتشاف طرق طمس مضمونها من خلال رشقها بوابل من المراسلات المتلاحقة، فتصبح كالهاتف في حالة الاستعمال لا تقدر على استقبال تداخلات المراسلين. لقد تابعت من جانبي موضوع التغطية الإعلامية في الحروب طيلة حوالي اربعين سنة فتوصلت الى استنتاجين اساسيين، ويتمثل الاستنتاج الأول في ضرورة الرجوع إلى النظريات لفهم الاشكال بأكثر وضوحاً أما الاستنتاج الثاني فهو التيقن من ضعف القانون الدولي في هذا المجال. من الفرضيات الى النظريات يكاد يكون الاجماع شاملا حول ضرورة اعتبار النظرية كمفهوم يتوصل اليه الباحث بناءاً على جملة من الفرضيات، وأن التراكمات النظرية هي التي تساعد على فهم الوقائع وتسمح بتفسيرها ثم بشرح العلاقة بين المفاهيم والافكار المتعلقة بالموضوع. ولقد لخص الباحثون هذه المفاهيم مبرزين ان الهدف من التنظير هو الوصول الى استنتاجات علمية بوصف علاقات وظيفية بين متغيرات يتم قياسها أو استقراؤها، ويسبق ذلك فروض علمية توضع لمعرفة العلاقة بين تلك المتغيرات بهدف التحكم في الظاهرة المدروسة واستنتاج التوقعات. وللنظريات الاعلامية خصائصها العلمية رغم تقاطعها مع اعتبارات اخرى تتصل بعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة والرياضيات والبيولوجيا. ومهما يكن من امر فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً للدراسات الاستشرافية التي ادت الى الارتقاء بالفرضيات الى مستوى النظريات والى فتح آفاق جديدة للبناء النظري في مختلف مجالات الإعلام والاتصال بما في ذلك الاعلام العسكري والحربي. ان لكل حرب كما نعلم اوجها متعددة وليس الوجه الإعلامي هو اقلها شأنا، فالحرب النفسية اقوى من العتاد العسكري احيانا وتساعد بنسبة تتراوح (حسب بعض الدراسات) بين 20 و30 في المئة على كسب المعركة وتحقيق النصر العسكري. وتتمثل مظاهر هذا الدفاع الاجتماعي في الرفع من معنويات الجيش والحط من معنويات الخصم من خلال سبق الأحداث بالاشاعات والتضليل الذي قد يساعد على التخفيف من ضغط العائلات المنكوبة وكسب الرأي العام العالمي في ذات الوقت. وهذا السلاح البسيكولوجي معتمد منذ القدم وقد ذكرنا المؤرخون بمختلف الحيل والاشعات التي اعتمدها القادة العسكريين وادت الى سقوط قلعات منيعة ونسجلها باستغراب حتى اليوم. ولذلك فإن تراكم الاستنتاجات والفرضيات (وقد حللنا ذلك في مناسبات سابقة على هذه الصفحات) ساعدت المنظرين العسكريين على اقرار مجموعة من الأسس الاستراتيجية لتوظيفها في زمن الحرب وتقوية البعد الإعلامي في مجابهة الخصم. ألم يؤكد «ونستن تشرشل» اثناء الحرب العالمية الثانية ان المعلومة الصحيحة في زمن الحرب ثمينة للغاية ويتعين حمايتها بأسوار من الاكاذيب. وقد تساعد هذه الاعتبارات على فهم ما سجلناه في الايام الاخيرة من هذا الجانب ذاك. ضعف القانون الدولي ان هذا التحليل قد يبرر موقف الناطقين الرسميين باسم اطراف النزاع إلا انه لا ينبغي ان يكون حجة لباقي اجهزة الإعلام المطالبة بالموضوعية والنزاهة. في كل الحالات التعددية هي الحل الوحيد امام الملاحظ لادراك حقيقة الأحداث، ولذلك فإن المنطق يقتضي تأمين نقل الحقيقة للرأي العام وضمان سلامة الناقلين للأحداث. غير أن ما سجلته حرب العراق مثل ما سبقها، من ضحايا في ارواح المراسلين الإعلاميين وسوء معاملة «إعلامية» للأسرى وما شاهدناه من إتلاف للمتاحف ومن اعتداءات على مواقع اعلامية بالانترنت. وكل مظاهر التضليل والتعتيم الإعلامي تؤكد الحاجة الى اعادة النظر في نجاعة القوانين الدولية القائمة في مختلف هذه المجالات، وضرورة وضع أسس قانونية جديدة متلائمة اكثر مع تطور تكنولوجيا الاتصال والنظريات الإعلامية في ذات الوقت. وهذا لا يعني ان منظمات الأمم المتحدة لم تسع، كل في مجالها، الى اصدار الإعلانات الدولية. وإني مازلت اتذكر ما تطلبه من جهد منذ ربع قرن ذلك الإعلان الدولي الذي تم اقراره بإجماع في صلب منظمة اليونسكو حول دور اجهزة الإعلام العالمية في حماية السلام وحقوق الإنسان. ان الواقع يتطلب ازالة الغبار عن ما هو موجود من اتفاقيات والتذكير بالنصوص القائمة واتمامها بالأدبيات والقواعد الأخلاقية الملائمة ووضع الآليات الجديدة للسهر على احترام كل ذلك في الساحة العالمية التي اصبحت مفتوحة للجميع. فهل يقر انصار النظام العالمي الجديد بعلويه القانون الدولي وهل يقبلون هذا الاعتبار؟ ـ كاتب تونسي

Email