خواطر ـ الانفتاح المروري في الشارع السياسي! ـ بقلم: أبو خالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 14 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 15 مايو 2003 فوضى المرور في شارعنا السياسي العربي لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في شوارعنا العادية، الفارق الوحيد ان المرور في شارعنا السياسي العادي تحكمه «الى حدٍ ما» قوانين مرورية تصل بغراماتها الموجعة الى جيوب السائقين واصحاب السيارات، كما ان شرطة المرور المعروفة بوجهها الصارم والجاد تعيد الى المتهورين والمتنطعين صوابهم وانضباطهم، اضافة الى دوريات المرور التي تنشق الارض عنها في أي وقت أو اي مكان لتفسد على السائقين متعة الانطلاق بلا قيود ولا حدود..! في الشارع السياسي العربي فوضى مرورية لا مثيل لها في أي شارع سياسي آخر سببها الأول والأخير هو أنه شارع ليس له كبير يقول لهذا قف.. ويقول لذاك انت مخالف.. وينزع من هذا وذاك رخصة مروره اذا هو أساء استخدامها، انه شارع فيه اعجب واغرب حركة مرور في العالم، قد ترى فيه من يسير بسيارته في منتصف الطريق.. ومن يسير بها على الرصيف.. ومن يقطعه بسيارته بعرض الطريق او بطوله، فيه المسرع الى اقصى رقم في عداد السرعة.. والمبطئ حتى يسبقه المشاه فيه، فيه من لا يحلو له ركن سيارته الا في الممنوع ومن لا يريحه الانتظار الا وسط الشارع، الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع ولا يتخلف احد عن المشاركة الفعالة النشطة فيه هو اطلاق ابواق السيارات بأقصى طاقاتها الصوتية الممكنة، كل منهم يحاول جاهدا مستميتا ان يكون بوق سيارته هو الأعلى.. وصوت نفيره هو الغالب على باقي الأصوات، .. بهذا اصبح الشارع السياسي خليطا مشوشا من سيمفونيات هيستيرية نرجسية مغرقة في اللاوعي والتخلف..! في الشارع السياسي العربي لا توجد اسابيع للمرور.. ولا قوانين مرورية، فالانفتاح المروري هو السائد فيه، وفي ظل هذا الانفتاح يكون من حق كل سائق سيارة ان يسير بالطريقة التي تعجبه وفي الاتجاه الذي يوافق مزاجه، بعض السائقين في الشارع السياسي العربي رفض اليمين واختار اقصى اليسار.. والبعض الآخر انبهر باليمين فسار في أقصاه، وبين هؤلاء وهؤلاء نفر من السائقين تصور أنه أذكى من الاثنين فلعب على الحبلين، تراه احيانا مع السائرين بحماس في طابور اليسار، ثم تفاجأ به حينا آخر يزاحم السائرين في طابور اليمين، ويظل متنقلا على هذا الحال حتى ينكشف امره وتنفضح لعبته.. فلا ينفعه بعد ذلك انفتاح ولا انشكاح..! في الشارع السياسي العربي لا توجد شرطة مرور، فكل السائقين فيه عينوا انفسهم شرطة للمرور، وكل أصحاب السيارات حاولوا فرض وصايتهم على الآخرين، فمن استكان واتبع تعليماتهم نال الرضى والقبول، ومن عصى وتمرد حلت عليه اللعنات وانهالت عليه المخالفات، ومن هنا أصبح السائق العاقل في هذا الشارع العجيب واقفا في «حيص بيص»، لأنه لو حاول ارضاء الطرفين فسيكون عليه ان يلتزم السير على اليمين وعلى اليسار في آن واحد، وان يسرع غاية الاسراع ويبطئ الى أقصى حدود البطء في نفس الوقت، وسيجد نفسه مضطرا للسير على الرصيف ارضاء لأحدهم.. او مجبرا على الاصطدام بأي شجرة في الشارع ارضاء لآخر، واخيرا فسوف يجد ان الأسلم له ولعقله أن يركن سيارته في مكانها ويتركها هاربا من الشارع كله.!! من عجائب الشارع السياسي العربي لافتاته الارشادية او التحذيرية التي اقتبست افكارها من الشارع العادي ولكن بمفهوم سياسي يناسب كونه شارعا سياسيا يوجه توجيهاته السلطوية لمن يريد لنفسه الأمن والأمان، منها مثلا لافتة تقول «لا تسرع.. فنحن إليك أسرع».. وأخرى تقول «لا تعارض.. وعد لأهلك سالما»، هذا عدا اللافتات التحذيرية الخاصة بالممنوعات المرورية مثل «ممنوع التجاوز» و«ممنوع التحاور».. و«ممنوع التساؤل».. و«ممنوع التقدم» .. و«ممنوع التحرك»... الخ..! وأخيرا.. فمن عجائب ومآسي الشارع السياسي العربي أن الداخل اليه مفقود.. وأن الخارج منه مولود، فاغراءات الانفتاح المروري فيه تشجع على الانفلات.. وتعطي المغامر فيه احساسا خادعا بالأمان يدفعه الى التهور والتجاوز والتصادم في غياب الرقابة المرورية الحازمة، ثم لا يفيق من هذا الاحساس الخادع الا حين يحاول الهروب من الشارع فيفاجأ بكمائن المرور الشعبية في انتظاره لتحاسبه عن اخطاء قيادته بطيش وتهور.. ولتقيض منه على ما ارتكب من حوادث دعم لكل من حاول التصدي لقيادته الرعناء، ثم لتسحب منه كل رخص القيادة التي حصل عليها بالضغط والتزوير.. والتي ادّعى فيها ان 9,99% من اعضاء لجنة الامتحان قد منحوها له عن حب واقتناع..!! ويا أيها الشارع السياسي العربي.. روح.. ربنا يوعدك بشرطة مرور حازمة صارمة.. لا تقتنع بالانفتاح المروري بلا حساب، ولا تمنح رخص قيادة لمدى الحياة، فتلزم السائقين فيه بالأدب والاحتشام.. وتلزمهم بالتعقل والنظام..!

Email