خط مباشر ـ سابقة خطيرة.. جداً! ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 11 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 12 مايو 2003 دولة عظمى تشن حرباً شاملة غير مبررة بأي معيار من معايير الشرعية الدولية، وبينما تبقى قوات الدولة الغازية على ارض الدولة المهزومة تنشأ سلطة احتلالية تباشر ادارة شئون الدولة المهزومة على نحو احتلالي مفضوح، بعد ذلك تتجه القوة العظمى الى الامم المتحدة لتطلب من الدول الاعضاء اضفاء الشرعية الدولية على هذه الحالة. هذه هي خلاصة الوضع الذي استحدثته الولايات المتحدة بشأن العراق. والسؤال الذي يطرح هو: ما الضمان ألا تتكرر الحالة العراقية في اجزاء اخرى بحيث يتحول العالم بأسره ـ أو على الاقل العالم الثالث ـ الى مجموعة مستعمرات اميركية؟ السؤال ليس نظرياً، فكون ان احتلال العراق ليس سوى بند واحد من اجندة دولية للولايات المتحدة فإن هذا التوجه لم يعد سراً. فالملامح الاولى لهذه الاجندة ظهرت في اعقاب احداث سبتمبر 2001 لتتخذ شكلاً مكشوفاً وفاضحاً عقب نهاية الحرب الاميركية في افغانستان عند اوائل عام 2002م. الحالة العراقية باتت الآن حالة اختبارية. وردود الفعل من القوى الدولية الاخرى على صعيد مجلس الامن الدولي على الترتيبات الداخلية في العراق التي احدثتها ادارة بوش والترتيبات الاخرى ذات البعد الخارجي التي تتطلب بالضرورة تأييداً قانونياً دولياً، هي التي سوف تحدد ما اذا كان المشروع الاميركي لفرض سيطرة شاملة على العالم سوف يلقى مقاومة تؤدي الى افشاله او على الاقل تحجيمه او تعويقه. لهذا تتجه الانظار العالمية صوب مجلس الامن الدولي خلال الايام المقبلة بعد ان تقدمت الولايات المتحدة الى المجلس رسمياً بمشروع يتضمن، أولاً رفع العقوبات الدولية عن العراق، وثانياً تفويض القوة الاحتلالية الاميركية التصرف في موارد الاقتصاد الوطني العراقي وفق غطاء من الشرعية الدولية.. ودون مساءلة دولية. ورغم ان الولايات المتحدة حققت لنفسها انتصاراً عسكرياً سهلاً في العراق وجعلت منه كياناً خاضعاً لسيطرة ادارية اجنبية بعد ان سلبته سيادته الوطنية، فإنها ووجهت بعقبة اقتصادية كبرى. فالاقتصاد الوطني العراقي ظل رهينة لدى الامم المتحدة منذ عام 1991 بموجب نظام العقوبات الذي فرضه مجلس الامن الدولي «بموافقة من الولايات المتحدة» آنذاك الذي يبقى ساري المفعول قانونياً حتى هذه اللحظة. وفي اطار هذا النظام العقابي ابتدع مجلس الامن الدولي معادلة «النفط مقابل الغذاء» التي تسمح بزيادة مبيعات النفط العراقي من اجل تمويل المشتريات العراقية الضرورية مثل الاغذية والادوية وقطع الغيار. وبينما كان نظام «النفط مقابل الغذاء» ملائما للسياسة الاميركية في الماضي ـ اي قبل الاستعمار الاميركي للعراق ـ فإنه الآن لم يعد كذلك، ان ما يلائم المصالح الذاتية للولايات المتحدة الآن هو فك ارتهان الاقتصاد العراقي عن سيطرة مجلس الامن الدولي لتستكمل واشنطن هيمنتها الادارية والعسكرية على العراق بالهيمنة على اقتصاده.. وإلا فما قيمة شن حرب على ذلك البلد العربي الشقيق الغني بالنفط وتكلفة احتلاله وادارته؟ بكلمة واحدة تريد الولايات المتحدة «تحرير» العراق اقتصادياً من السيطرة الدولية الجماعية لتنفرد واشنطن وحدها بهذه السيطرة. من هنا كان المشروع الاميركي لرفع العقوبات عن العراق. ووفقاً للمشروع فإن المطلوب من مجلس الامن الدولي أولاً إلغاء نظام «النفط مقابل الغذاء». والسؤال المهم هنا هو: هل تتجاوب القوى الدولية الكبرى الممثلة في مجلس الامن مع هذا الطلب الاميركي؟ نظام «النفط مقابل الغذاء» له آلية تسيير يطلق عليها «لجنة العقوبات الدولية» وهي هيئة تتكون عضويتها من الدول الخمس الكبرى ـ اميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ـ دائمة العضوية في مجلس الامن.. هذه اللجنة هي التي تنظر في اجازة طلبات المشتريات التي ترد اليها من الحكومة العراقية.. ولكل من الدول الاعضاء في اللجنة حق «الفيتو». والآن وبعد زوال الحكومة العراقية فإن الامين العام للامم المتحدة هو الذي يتولى تقديم الطلبات الى اللجنة. وما تهدف اليه الولايات المتحدة هو الغاء هذه الآلية الدولية، وان تنتقل الى واشنطن بالكامل سلطة التصرف الاحادي في الاقتصاد العراقي. وسوف تكون سابقة على اعلى درجات الخطورة لو ظفرت واشنطن بموافقة دولية على مطلبها هذا. فبعد ذلك لن تتوقف الولايات المتحدة عند المحطة العراقية فقط.

Email