دجلة يكظم غيظه !! ـ بقلم: د. صابر فلحوط

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 7 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 8 مايو 2003 اذا كانت ابجديات قاموس العلوم السياسية تؤكد ان السياسة، وهي فن الممكن، تقاس بالنتائج التي تحققها، وليس بالشعارات التي ترفعها، فإن السؤال عن هدوء دجلة واسترخائه امام قوات الاحتلال له ما يبرره، في ذاكرة المحللين والمتابعين للواقع الذي عاشه شعبنا في العراق، تحت قبضة النظام الذي سقط دون ان تهطل عليه دمعة لا من الذين استحلبوا ضروعه، ولا من الذين دهشوا لقدرة «الفراتين» على كظم الغيظ، والصبر المدهش على الاحتلال. ولعل سقوط نظام العراق قد سبق وصول قوات الاحتلال بسنوات كما تؤكد النتائج الصارخة والفاضحة لأمهات المعارك، والحواسم! فقد سقط النظام في بغداد يوم توغل عميقاً في اشادة القصور والقبور والسجون في آن معاً. كما سقط يوم لجم الألسنة الناقدة، وتوهم انه يبني القدرة الخارقة، والمنظمات الشعبية والحزبية والنقابية التي تبخرت في ساعة الشدة وامست اثراً بعد عين. كما سقط النظام يوم التقى وزير الحرب الاميركي في الثمانينيات مستعيناً بعبقرية بلدة في مجال الموت السريع ليصبها على الشعب الايراني الصديق. كما سقط يوم ابتلع الطعم الاميركي فشن حربه المجنونة ضد الكويت الشقيق الذي قدم له فوق ما اراد من دعم. اما سؤال لماذا يكظم دجلة غيظه، ولم يكن كعادته في الشراسة، والشجاعة، والبسالة، والاقدام عند وصول الغزاة الى عاصمة السلام بغداد، فلعل جوابه يتمحور حول الخشية من ان ترتبط مواجهة الغزاة بالدفاع عن النظام الذي اذاق العراق خلال اكثر من ثلاثة عقود ما يؤكد المقولة القديمة الجديدة وهي: ان السجين لا يدافع عن سجنه!! واليوم وقد اصبح العراق، نفطاً وموقعاً ومستقبلاً في الجعبة الاميركية هل يصدق عاقل على وجه هذا الكوكب أن الحضور الاميركي الطاغي في العراق يستهدف تحرير هذا البلد واعماره، واستثمار خيراته لصالحه، واشاعة الديمقراطية وحقوق الانسان فيه، وجعله واحة، وقبلة للأنظار العربية؟! وهل يمكن لقارئ تاريخ الشعوب وحركات التحرير الا أن يدرك عميقاً ان الوجود الاميركي البريطاني في ارض الرافدين هو ابشع شكل من اشكال الاحتلال. وهل الحكومة العراقية الموعودة والتي ستقوم في ظلال خراطيم الدبابات الاميركية ستكون حرة في قرارها، ورأيها، وتطلعاتها وعلاقاتها مع جوارها من الاشقاء والاصدقاء؟! ان تجارب شعبنا في استقبال جيوش الاحتلال مازالت طرية في العديد من اقطار هذه الامة، والاجيال التي قاومت الاستعمار، ولم تسقط في حبائل اغراءاته ودعاياته لاتزال حية تروي بالصورة والصوت كيف يبدأ المحتل بالشعارات البراقة الخادعة ثم ينقلب حاكماً بأمره ولا راد لقضائه الظالم!! ويقيني، لو قرأ «حاكم العراق الجديد» تاريخ الرافدين، لما غامر في الولوج في هذه الحمأة الرهيبة، والتي سيتحيل التخلص منها بسهولة!! ـ نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب

Email