آخر الكلام ـ يكتبها: مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 24 شعبان 1423 هـ الموافق 30 أكتوبر 2002 في احد عروض مهرجان المسرح الاردني العاشر، لم يعلق الممثل على جملة «وحدة الصف العربي» التي قالها زميله المقابل له على خشبة المسرح، لكنه اشاح بوجهه الى الخلف، لتتدفق بعد ذلك موسيقى جارحة، مؤلمة تحمل حزن الدنيا كلها..لم يعلق الممثل، لكنه قال الكثير بذلك التعبير الذي رسمه على وجهه ويديه اللتين ارتعشتا حينما طوق بهما رأسه. يا الله..كم هو حال كئيب وسقيم، هناك من يقرر الان اهدار دمنا واستباحة حياتنا، الان من فوق الطاولات الرخامية، ومن فوق تلك المنابر هناك من يصرخ بصوته الموت لكم.. ان رقابنا يا صاحبي مطلوبة لقطعها، وها نحن نتهيأ للغرق في الدم، والموت والفناء. من لنا يا الله سواك..قنا يا الله شر من لا يرحم من اهلنا ومن الغرباء. صرخ الممثل الذي لوى رأسه بيديه: وحدة الصف العربي، ابني كتبها بالطبشورة على جدار منزلنا قبل سنوات، كبر هو ولم تكبر تلك الكلمات، ابني يعذبني بها، يجلدني بها، وانا لا استطيع اخباره بالحقيقة، وبما ينتظرنا.. انا ذاهب للحرب، الان، بعد قليل، غدا صباحا، غدا مساء، في الصدفة المقبلة التي لا اعلم ميقاتها، انا ذاهب للحرب، وسأموت وابني لا يعلم بأني سأموت ولا يعلم انه سيموت، ولا يعلم ان الجدار الذي حمل جملته الطبشورية، زائل، متفجر، مقصوف بالصواريخ الضارية.. لا يعلم شيئا.. وانا لا اعلم شيئا. كان عرضا مسرحيا حمل الكثير من الألم، مزق صدورنا بالعذابات السابقة والعذابات المنتظرة، في نهايته صفقنا للممثلين البارعين، لكننا لم نفرح لأن العرض لم يطهرنا من الشقاء، ولم نحزن لان كل مقولاته واشاراته التحريضية، سبق وان مرت علينا كما تمر غمامات الصيف الكاذبة. قال احد النظارة: «هو احنا ناقصين عياط، ما الحال معروف، حرب بنحارب، سلام بنسلم، مبدكوش اشي ما بصير». حاولت وانا ارمي بجثتي خارج زحام المتفرجين الذين خرجوا من المسرحية الى الشارع ان لا استمع وان لا تسرق اذناي التعليقات، فكلها متشابهة ولا تزيد على مقولات العرض شيئا.. حاولت ان اتخيل هول القصف، واسراب الطائرات، ودخان المدافع وزمجرة الحديد ورعده، وحاولت رسم الصورة حتى نهايتها.. كيف يفعل البارود المخلوط بمخلفات اليورانيوم المخصب فعله في الجلد والعظم البشريين.. طنين في الاذنين الان، سيارات، عرب كثيرون، الشارع في الخارج حي يرزق.. العرب كثر هنا وهناك..وحدة الصف هنا، وحدة الصف هناك.. زحمة في ذلك الشارع الملون.. ليل اناس تفوح منهم رائحة العطر الليلي في طريقهم الى جحيمه الاحمر. الممثل في نهاية العرض كان اكثر براعة حينما صرخ.. اقطعوا هذا الرأس، خلصوني من هذا الهذيان والدجل.

Email