استراحة البيان ـ حب وعشق وإرهاب !! ـ يكتبها اليوم: ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 20 شعبان 1423 هـ الموافق 26 أكتوبر 2002 يبدو أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يضغط بكلتا يديه على جينته التكساسية ذات الطابع المتعجرف العنيد، والأكثر من ذلك أنه يريد على ما يبدو أن يكون آخر الفرسان في الزمن الأميركي المثير، الذي تحكمه المصالح الاقتصادية وترسم اسمها على رؤسائه ابتداءً من محرر العبيد ابراهام لنكولن وانتهاءً به! فنحن نعيش عصر الجينات الثائرة المتمردة على كل شيء، فبعد أن توصل العلماء إلى فك طلاسم الشيفرة البشرية أصبحنا على أعتاب عالم جديد، عالم ينبذ الشر والشرور ويفتح أبوابه للحب والسلام، ويبدو أن صاحبنا بوش الصغير أراد بعد أن أعلن العلماء بدء عصر الجينات أن يكون فارس العصر أو سيد الجينيوم البشري، خيراً كان أم شراً، متبعاً ما تمليه عليه أو تأمره به جينته الوراثية. المثير في حكاية الجينات، وبعيداً عن بوش وجنرالاته أن العلماء بدأوا يفككون شيفرات الانسان المعقدة، وأخذوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى الموروثات الجينية، حيث تحول أغلبنا إلى جينات متحركة، فعندما يداهم النسيان أحدنا فمرد ذلك جينة مسئولة عن ذلك التدهور في الذاكرة، وعندما يحاول أحدنا النوم فلا يستطيع ويجد أن الشوق يجرّه جداً، فمعنى ذلك أن كيمياء الحب أخذت تتفاعل في المختبر الداخلي لقلبه المشتاق! ويشير العلماء إلى أن نوازع الوله والعشق والاشتياق متأصلة في بعضنا، وأن هناك جينة تتسبب في حدوث هذا الدفق المثير في العواطف الانسانية، فتصنع حالة قد تؤدي إلى الهذيان أحياناً، ومثلها تنصهر جينة الكراهية أحياناً فتؤدي بصاحبها إلى الحقد على نفسه وعلى الآخرين! ويبدو أن تلك الثورة الجينية ستقلب العالم رأساً على عقب، ومثل السيارات والآلات التي نقتنيها ومعها كتالوجها سيصبح للانسان كتالوج خاص به، ويا ويل الذي سيضيع كتالوجه، لأنه يضيع على نفسه أوقات الصيانة والطراز ومدة صلاحية كل قطعة في جسمه، وسيكون هناك شركات وسوبر ماركات لبيع الجينات الصالحة بدلاً من تلك المعطوبة، والأدهى من ذلك أن اطفالنا لن يكونوا في حاجة إلى الذهاب للمدارس، لأنه بامكاننا حشو عقولهم بأفضل الكتب والعبقريات العالمية من خلال توفير جينات الذكاء والاستيعاب وكل ما يحتاجونه من علوم وخبرات! هكذا وبفضل التواصل العلمي المتسارع يفسر العلماء ويحللون كثيراً من الظواهر الاجتماعية والانسانية المعقدة والمتداخلة، ولا أدري إن كان هذا العلم الذي يبني نظرياته وعلومه على علم الجينات ويدور في فلكها ميزة للانسان أم وبالاً عليه، خاصة اذا ما عرفنا أن العلماء الباحثين في هذا المجال اعتمدوا النظرية التفكيكية، وهذه النظرية لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بالنقد الأدبي والبنيوية التي تعتمد أشكالاً مقاربة للنظرية التفكيكية، اذ تعتمد تلك النظرية على التحليل الروحي للنفس البشرية وتجريد الانسان وتفكيكه من عقده المركبة وتطهيره داخلياً، وارجاع كل الشرور والطيبة إلى جينات وراثية تتحكم بشكل أو بآخر في رسم التوجه الذي يمشي عليه الانسان! وهذا يقود إذا ما اعتمد بشكل علمي وأجيز إلى ظواهر سلبية كبيرة في المجتمع الانساني، اذ بفضل تلك النظرية، يصبح الانسان غير مسئول عن تصرفاته، ويتحول المدان إلى مريض حرضته جينة الخيانة على فعل ذلك، وهذا بدوره يفتح باباً للمحامين الذين سيجدون تبريراً لموكليهم من المجرمين والمذنبين، فإذا كان للكذب جينة وللصدق جينة وللامانة جينة وللخيانة جينة، فإن للاجرام جينة في تصور أولئك تحمل على كتفيها وزر المجرم وتطهره من جرمه، لأنها هي المسئولة الاولى والاخيرة عن تلك الشرور المتأصلة في داخله، وبالتالي تسقط عنه بتلقائية مطلقة ما اقترفت يداه وما دبره عقله من جريمة، وعلى بوش ومجلس الأمن أن يكفوا أيديهم بعد اليوم ويبحثوا عن جينة الارهاب، تلك الجينة المسئولة عن تدمير الامان في العالم بدلاً من أن يضعوا بلداناً واشخاصاً بعينهم تحت ما يسمى محور الشر! ولا أدري كيف سيكون العالم إذا ما أصبحت تلك النظرية واقعاً معاشاً؟ قد يكون هناك تفسير نفسي نتفق عليه جميعاً حول اشخاص بعينهم، فنقول إن المعاناة أفرزت عبقرياً أو مجنوناً، أو نقول ان الحياة البائسة أو الظرف الاجتماعي جعل من شخص ما مجرماً، لكننا لا نستطيع أن نقول ان جينة الجريمة انتصرت فأنجبت مجرماً أو ارهابياً عتيداً! عموماً يظل الجدل محتدماً بين العلماء حول السببية أو من المسئول عما يحدث.. ولو كان الأمر يجري بالنظرية التفكيكية التي يؤمن بها البعض لبدأ العلماء في السعي الجدي لتطويق دنا الشر وتحجيمها، وفتح حدود الخير واسعة، وبالتالي إيجاد الانسان السوبر المعجون من جينات الذكاء والفطنة والشجاعة والخير والتدين والفرح والقوة والشباب والحكمة، وما إلى ذلك من صفات قد تكون نادرة في هذا الزمن المتواصل بالخبث والخديعة والمتشابك بالمصالح والفساد! ومن هنا قد تنجب البشرية من جديد عنترة آخر وليلى أخرى، وشهرزاد جديدة ومتنبي حديثاً، فيتواصل العالم من جديد مع عبقريات في الفن والأدب والشعر والعلم والموسيقى والعمارة والهندسة، وتعود من جديد ليالٍ أخرى أكثر تشويقاً واثارة من ليالي ألف ليلة وليلة وأرق عذوبة من ليالي الوصل في الاندلس.. فأهلاً بثورة الجينيوم. Dhaen66@hotmail.com

Email