خط مباشر ـ والآن «التجمع» الأريتري! ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 20 شعبان 1423 هـ الموافق 26 أكتوبر 2002 وأخيراً، وعلى خط مواز للتجمع السوداني المعارض، الذي يتخذ من العاصمة الاريترية أسمرة قاعدة له، ولد تجمع المعارضة الأريترية في لقاء تاريخي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.. فماذا يقول الرئيس الأريتري أسياس أفورقي إذا عرضت الحكومة السودانية على قيادة التجمع الأريتري الذي أعلن قيامه الأسبوع الماضي أن تكون العاصمة الخرطوم مقراً وقاعدة لنشاطه السياسي ومدينة كسلا الحدودية قاعدة لنشاطه العسكري؟ لقد التقى في أديس أبابا قادة ثلاثة عشر حزباً وتنظيماً أريترياً في مؤتمر هو الأول من نوعه ودشّنوا «التجمع الوطني الأريتري» كجبهة موحدة للمعارضة هدفها الاستراتيجي الأعظم ـ كما أعلن على الملأ ـ ليس بأقل من الإطاحة بنظام الحكم القائم في أسمرة. وهكذا يطرأ على المشهد الأريتري ـ السوداني تغيير «دراماتيكي» مثير ينسف جدلية العلاقة الراهنة بين البلدين المتجاورين من أساسها. فصوت محمد عثمان الميرغني وجون قرنق سوف يوازيه بالقوة نفسها صوت عبدالله ادريس وهيلوي بايرو. إدريس هو رئيس التجمع الأريتري وبايرو هو الأمين العام. ما هو مدلول هذا التغيير؟ أقول على الفور ان الوصاية المصطنعة على الشعب السوداني التي ظل يمارسها النظام الاريتري كمبرر لاستضافة فصائل المعارضة السودانية ودعمها سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً سوف تتحول من حجة له إلى حجة عليه. فبالقدر نفسه وعلى نسق الحجة نفسها يجوز للنظام السوداني ان يستضيف التجمع الأريتري الجديد ويدعمه بكل ما يحتاج دون أن يكون بوسع أسمرة ان تحتج، بل إن المسلك السوداني في هذه الحالة سوف يكون مشروعاً من منظور القانون الدولي. إن الرئيس أفورقي يردد من حين لآخر في تبريره لدعم التجمع السوداني المعارض ان الثورة الأريترية «مدينة» للشعب السوداني مما يتطلب من النظام الأريتري دعم نضال الأحزاب والمنظمات السودانية في سعيها لاسقاط النظام في الخرطوم، وكأن الرئيس الأريتري لا يعترف بشرعية النظام السوداني الحاكم. فيلكن!.. فالآن، بعد قيام تجمع أريتري على الصعيد الموازي فإنه بات متاحاً للحكومة السودانية أن تقول انها «مدينة» للشعب الأريتري. وفي مثل هذه الحالة فإنه ستكون للحكومة السودانية فرصة أفضل إذا قررت، انطلاقاً من رد الفعل المشروع، مناوأة أسمرة بجزاء من جنس العمل. فإذا كان مولد «التجمع الوطني الأريتري» ينطوي في حد ذاته على نُذر خطيرة لنظام الحكم الأريتري فإنه لمجرد إعلان قيامه سوف يؤدي لشحذ المعارضة الداخلية التي تواجه الرئيس أفورقي داخل الحزب الحاكم نفسه «الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة». فعلى رأس أجندة «مجموعة الخمسة عشرة» ـ هكذا يطلق المتمردون القياديون على أنفسهم داخل أجهزة الحزب العليا ـ مطالبة بتطبيع العلاقة الأريترية مع السودان مشفوعة برفض صريح للتدخل في الشئون الداخلية للسودان. إن النظام الأريتري مغرم بالوعظ، لكنه في الوقت نفسه يحرص على عدم تطبيق ما يقدم من مواعظ. ومن أكبر المواعظ التي درج على تقديمها للسودان، حث النظام الحاكم على تبني التعددية الديمقراطية، مع ان أسمرة تعلن في ذات الوقت ان تطبيق التعددية نفسها في أريتريا «يحتاج لقرون»! هذا على الأقل ما ورد على لسان الرئيس أفورقي في حديث مطول إلى صحيفة خليجية. في هذا السياق عبرت «مجموعة الخمسة عشرة» التي تقود معارضة داخل الحزب الحاكم في أريتريا عن رفضها «هيمنة الجبهة الشعبية على الحياة السياسية والاقتصادية». ورد ذلك في مذكرة بعثت بها المجموعة إلى الرئيس أفورقي طالبت فيها بفك احتكار «الجبهة الشعبية» للسلطة وتطبيق النظام التعددي. لقد كانت مصادفة عجيبة أن يأتي مولد «التجمع الوطني الأريتري» المعارض بعد أسبوع من اجتماع قمة ثلاثية في صنعاء ضم رؤساء اليمن والسودان وأثيوبيا. ومغزى المصادفة هو التقاء تذمر وطني مع احتجاج اقليمي. وكما هو معلوم فإن أريتريا دخلت في اشتباك مع كل من هذه الدول الثلاث في الجوار. وفي حالتين من هذه الحالات الثلاث دفعت أسمرة ثمناً، فقد خسرت النزاع مع اليمن حول السيادة على جزيرة «حنيش» بينما منيت بدمار بنياتها التحتية في حرب ضارية مع أثيوبيا، والآن تتجمع في الأفق نُذر اشتباك عسكري مع السودان. هل كان كل هذا ضرورياً؟ ربما نجد شيئاً من الإجابة عن هذا السؤال إذا عدنا مرة أخرى إلى مذكرة «مجموعة الخمسة عشرة».. فقد ورد فيما يلي: «في الوقت الذي بدأت أريتريا تخطو خطواتها الأولى نحو تثبيت أقدامها وتأسيس نظامها الدستوري دخلت في مشاكل ومناوشات وحروب مع جيرانها. وهذا لم يكن ضرورياً فحسب، بل لم يكن مجدياً بالنسبة إليها مهما كانت الدوافع». أجل.. لم يكن ضرورياً.. ولم يكن مجدياً.. فهل تراجع أسمرة نفسها؟

Email