بعد التحية ـ يكتبها: د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 16 شعبان 1423 هـ الموافق 22 أكتوبر 2002 الهواجس الاقتصادية تقوى وتتجذّر عندما يكون الحديث عن الحروب في المناطق المشتعلة أصلاً وارداً ومتجدداً، فالذي يذكر حرب الخليج الثانية والأولى ويعود الى أدبياتها، فإن ذات المنوال من الكلام يتكرر، مع الفارق الكبير بين ما حدث في الدول الغربية من تطور اقتصادي أدى إلى وجود منظومة جديدة تحت مسمى «الجات» التي بدأ البعض ينضوي تحت مظلتها وقام بسرعة فائقة بتغيير بعض القوانين الاقتصادية لتتناسب مع متطلبات العولمة في الاقتصاد. إلا أن غالبية الدول العربية ومعها الإسلامية لم تمس قوانينها جرة قلم صغيرة، مع انها تصرخ بأعلى الأصوات عن مسايرتها لكل تغيير عالمي سياسياً كان أو اقتصادياً أو اجتماعياً، هذا على الملأ أما عند الاحتكاك أو الاصطدام بالواقع اليومي، فإن الكثير من الصفقات تنهار ولا أحد يستطيع المطالبة بالتعويضات، بسبب من الأمزجة التي تتحكم في القوانين التي لا توجد جهة معينة تحاسب المخالفين على تجاوزاتهم. وفي هذا الإطار يقول أحد أساطين التجارة في العالم: دخلت إحدى الدول بعد أن صدقت مقولة الانفتاح لديها بتشجيع الاستثمار الأجنبي فخسرت تجارتي وأنا في الطريق من المطار إلى من بيده زمام الاقتصاد في تلك الدولة، لأن الكل كان يطلب صراحة نصيبه من تلك التجارة فاكتفيت بتلك الخسارة الأولية حفاظاً على بقية ثروتي، علماً بأنني نويت جاداً أن أستثمر قرابة مئة مليون دولار كاختبار مبدئي على حسن النوايا الاقتصادية في ذلك المجتمع الذي يستجدي الأعطيات من هنا وهناك حتى يعيش الشعب ولا يموت جوعاً أو مرضاً أو بغير ذلك من الآفات. فالقوانين في العالم العربي تُفصّل حسب الأمزجة التي تديرها، فإن كانت رائقة، فإن تجارتك فيه رائجة فما فوق، فإذا انقلبت عليك فإن مصيرك إلى ظلمات الزنازين بتهم لا تستطيع الدفاع بها عن نفسك لأنك تُمنع من هذا الحق أساساً قبل أن تفكر فيه. فالاقتصاد المزدهر لا ينبني على هذه الحالة المزاجية حتى ولو تعرض العالم لكوارث الحروب، فالحروب العالمية التي مرت على هذا الكون أصلحت من شأن القوانين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم المتقدم إلا أن الحروب الأهلية والبينية مع التدخلات العالمية فيها لم تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد في العالم العربي والإسلامي إلى الأمام، مع أن العالم الأكبر دخل إلى محيط الاقتصاد الرقمي الجديد، ولم نأخذ منه إلا ما يستورد، أما التصدير، فإن بينه وبيننا خصاماً شديداً لا تحله إلا القوانين الجديدة والبعيدة عن المناخ الاستثماري المتقلب.

Email