من يقول لا للعدوان على شعب العراق ؟ ـ بقلم: ممدوح الشيخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 13 شعبان 1423 هـ الموافق 19 أكتوبر 2002 منذ غزو العراق للكويت والمنطقة العربية تتعرض لهزات عنيفة متوالية وتواجهها تحديات جسام تضعها أمام أسئلة خطيرة بعضها صار يمثل مفترق طرق لا يدري أحد إلى أية وجهة بعدها تتجه مسيرة المنطقة. ولا شك في أن الملف العراقي هو الأكثر إلحاحا على صانع القرار العربي بسبب تسارع وتيرة الإعداد لعمل عسكري غربي ضد العراق تتصاعد احتمالية وقوعه كل يوم، وأيضا بسبب النتائج الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليه وبعضها سيتجاوز ملف العراق بل سيتجاوز المنطقة العربية كلها. وتشكل المساعي الأمريكية للقيام بعمل عسكري ضد العراق تراجعا واضحا في أوضاع الملف العراقي الذي بدا منذ سنوات أنه مقبل على نقلة يمكن أن تكتب نهاية للحصار الظالم المفروض على شعبه منذ أكثر من عشرة أعوام، لكن الموقف الأمريكي الجديد المتمثل في السعي لتغيير النظام السياسي في العراق تغييرا جذريا بذرائع سياسية مختلفة جعل مساعي رفع الحصار الرسمية والشعبية تتحطم، كما وضع الجميع أمام خطر أكبر وأكثر إلحاحا فأصبح الحفاظ على العراق موحدا مستقلا غاية ما نتمنى. مأساة مركبة وفي الوقت الذي ينشغل فيه جيران العراق بحساب المكاسب والخسائر وينشغل فيه التحالف الغربي الأمريكي البريطاني بحساب الغنائم وتوزيع الوعود، يقف الشعب العراقي المسكين ينتظر الموت ساخنا مباغتا تحمله الآلة العسكرية الغربية الغاشمة بعد أن قاوم لسنوات الموت البطيء تحت الحصار. وبين كل المساعي الرسمية العربية التي انحصرت في النهاية في دعوة الرئيس صدام حسين للتنحي، ومناشدته قبول المطالب الغربية الظالمة إلى حد دعوته لما يشبه الاستسلام، لم يفكر أحد في أن يطلب منه النزول على مطالب وطنية عراقية لها مشروعيتها السياسية والأخلاقية معا. ورغم أن انفراجا ديمقراطيا عراقيا كان يمكن أن يعني الكثير على مختلف الأصعدة، فضلا عن أنه كان قادرا على تقوية الجبهة الداخلية العراقية فإنه لم يكن مطلبا رسميا ولا شعبيا عربيا طوال السنوات العجاف الماضية خوفا من أن يتعارض ذلك مع مبدأ سيادة الدولة، والآن بعد أن أصبح عدد المنفيين واللاجئين العراقيين يزيد على أربعة ملايين عراقي، يضاف إليهم أكثر من ستة ملايين عراقي كردي لم تعد للدولة العراقية سلطة فعلية عليهم منذ سنوات، وهو واقع يعني أن شعار الحفاظ على العراق موحدا لا يعني سوى رفض الاعتراف الرسمي العربي بحقيقة مستقرة على أرض الواقع منذ سنوات هو أن العراق - في أفضل الأحوال - سيكون دولة فيدرالية، أي أن سيادة الدولة لم يحمها القمع بل ساعد على تآكلها. والخطاب الرسمي العربي بشأن العراق يعكس حالة من حالات تآكل الإجماع العربي بشأن الملفات والقضايا الأكثر خطورة، والخطاب الرسمي العربي موزع بين شعارات كل منها يلخص موقف دولة أو أكثر، فهناك من يرفع شعار «لا أحد يستطيع أن يمنع الضربة» على نحو تضيع معه الحدود الفاصلة بين الوصف وتقرير ما هو واقع وبين التبرير وإضفاء المشروعية، وهناك من يرفع شعار «قبول ما يقرره المجتمع الدولي سلما وحربا» دون القيام بدور في هذا المجتمع الدولي الذي توجد فيه أطراف كثيرة تبدو مترددة في القبول والرفض وتحتاج من يبذل جهدا دبلوماسيا لاجتذابها لصفه، ولو حشدت الدول العربية جميعا قدراتها الديبلوماسية وراء خيار منع العدوان الأمريكي البريطاني على العراق لاختلفت الصورة عما هي عليه الآن. فالمسافة ليست بين قدرات ديبلوماسية أمريكية خرافية وقدرات ديبلوماسية عربية متواضعة، بل بين دولة لا تركن لكونها دولة عظمى فتطمئن لقدرتها على حشد التأييد لنفسها وتسعى في عواصم العالم المختلفة مستعينة بحليف يتمتع بدبلوماسية نشطة هي بريطانيا. وبسبب هذا «السكون» الدبلوماسي العربي لا يأخذ صانع القرار الغربي التصريحات الرسمية العربية التي ترفض العدوان على العراق على محمل الجد، وبعض المسئولين الغربيين يؤكد أن هناك عواصم عربية وافقت سرا في توقيت مبكرا جدا على عمل عسكري غربي ضد العراق واحتفظت بخطابها الرسمي الرافض للضربة لأسباب داخلية. بل إن مسئولا بريطانيا رفيعا قام بجولة واسعة في المنطقة مؤخرا زار فيها عواصم عربية وأخرى غير عربية صرح في نهايتها بأن مسئولين عربا أبدوا «حسا عمليا» وطرحوا تساؤلات بشأن ما بعد صدام. فن إهدار الفرص وللاختبار الذي تشكله الأزمة العراقية للعالم العربي دروس وعبر أخرى لا تقل أهمية، ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لأقل درجة ممكنة من الممانعة من المحيط الإقليمي المحيط بالعراق كان من الممكن أن تلعب دول الجوار غير العربية دورا كبيرا في إفشال المساعي الأمريكية فطالما نادى مفكرون ومثقفون عرب (لعل من أكثرهم اهتماما بالعلاقات العربية مع دول الجوار المفكر والمؤرخ الفلسطيني المعروف الدكتور أحمد صدقي الدجاني) بإدخال دول الجوار وبخاصة تركيا وإيران ضمن اهتماماتنا. والخلل لا يتصل فقط بمجمل الموقف العربي بل بالموقف العراقي نفسه، فهو خلال حربه مع إيران بنى حائطا من العداء بين الدولتين لن يزول بسهولة، وبدلا من أن يسعى لترميم هذه العلاقات نجده عندما اقتربت ساعة المواجهة يدير حربا إعلامية غير مبررة معها فيأتيه الرد من حسن نصر الله أمين عام حزب الله في مشهد من مشاهد الهجاء السياسي الحادة كان يغنيه عنها قليل من التريث وبعد النظر. وغني عن البيان طبعا أنه على مدى أكثر من عشرة أعوام فشل في إزالة آثار عدوانه على الكويت وظل إعلامه لسنوات بعد تحرير الكويت يردد المقولات نفسها التي برر بها الغزو. ولا نجد وصفا يعبر عن هذا الأداء السياسي والدبلوماسي غير المتعقل سوى أن النظام العراقي أدمن إهدار الفرص. ومما يسترعي الانتباه أيضا أن رد فعل الشارع العربي على التهديد الأمريكي الذي تحول إلى ترتيبات عسكرية جاء هزيلا بدرجة غير متوقعة، ليس فقط قياسا لاستجابة الشارع العربي للانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) مثلا، بل قياسا لرد الفعل الشعبي في الغرب نفسه وهو ما علقت عليه وسائل إعلام غربية كثيرة لفتتها المفارقة. وقد يكون من المهم أن نسأل في هذه اللحظة الحساسة: من قتل حيوية الشارع العربي وأوصل المواطن العربي لحالة هي خليط من السلبية واليأس؟ ولماذا لا يخرج المواطن العربي للتعبير عن تضامنه مع الشعب العراقي؟ قد تكون الأوضاع السياسية العربية المتردية مدخلا لفهم الظاهرة في عمومها، لكن من المهم الانتباه لخصوصية الملف العراقي، فهل يشعر المواطن العربي بأن الأنظمة الرسمية العربية لا تمثله ومن ثم فهو غير مهتم بأن يدافع عن النظام العراقي تعبيرا عن هذا الموقف السلبي؟ وهل ندرك الآن أن تهميش الشعوب في الرخاء، يجعلها تهمش نفسها عمدا في الشدة؟ وهل نفهم مغزى قول الشاعر المصري أمل دنقل على لسان عنترة بن شداد: أنا الذي ما ذقت لحم الضأن أنا الذي لا حول لي لا شأن أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان أدعى إلى الحرب ولم أدع إلى المجالسة؟!! ـ كاتب مصري

Email