خط مباشر ـ ما وراء كارثة «بالي» ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 11 شعبان 1423 هـ الموافق 17 أكتوبر 2002 كان مؤثرا جدا مشهد أولئك الرجال والنساء الاستراليين الذين تعانقوا وهم ينتحبون ويبكون بمرارة حزنا على من فقدوا من أقارب وأصدقاء في حادثة تفجير الملهى الليلي في جزيرة بالي الاندونيسية والآن وقد عاد اولئك الاستراليون الذين كتبت لهم النجاة الى وطنهم فإن عليهم ان يتفكروا لكي يتساءلوا عن السياسة الخارجية التي تنتهجها حكومتهم. قبل نحو اسبوعين نهض رئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد في البرلمان، فأعلن على العالم ان استراليا تؤيد بقوة ضربة عسكرية اميركية ضد العراق حتى بدون موافقة من الامم المتحدة. وعلى طوال الخط ظلت حكومات استرالية متعاقبة تصرح بتأييد غير متحفظ للسياسة الاميركية الداعمة لاسرائيل في سياق الصراع العربي الاسرائيلي. وخلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لم تكتف الحكومات الاسترالية بتأييد الحرب الاميركية ضد الشعب الفيتنامي بل ارسلت قوات مسلحة من جنود نظاميين وشباب متطوعين للوقوف مع القوات الاميركية في مقاتلة قوات الثورة الفيتنامية. واذا كانت الحكومات الاسترالية تضع مواردها الدبلوماسية والعسكرية لخدمة التحرك الدولي للولايات المتحدة بأجندته المعادية للشعوب، فإن من الطبيعي ان يصيب استراليا بعض ما يصيب اميركا من عواقب. ليس هذا تبريرا للكارثة الدموية العظمى التي وقعت في جزيرة بالي الاندونيسية ولكنه محاولة لفهم ما جرى ومغزاه. فالعشرات الذين قضوا في الحادثة ومعظمهم مواطنون استراليون لاشك انهم ابرياء، لكن المؤسف حقا انهم ضحايا سياسة حكومتهم بقدر ما هم ضحايا التدبير الذي تقف وراءه قوى محلية خفية. ومما لاشك فيه ان الحادثة يمكن ان ينظر اليها كرد فعل على ما جرى في تيمور الشرقية. كما نعلم وقعت في اقليم تيمور الشرقية التي كانت جزءا من اندونيسيا حرب اهلية بين المسيحيين والمسلمين هناك وانتهت الحرب الى انفصال تيمور واعلانها دولة مستقلة تخضع لنظام حكم مسيحي كاثوليكي وما كان لهذه النتيجة ان تتبلور لولا ان القوى الغربية اصطفت على نسق مسيحي ضد مسلمي تيمور. ورأس الحربة في هذا الاصطفاف كانت استراليا التي بعثت بقوة عسكرية قتالية الى الاقليم. ان اندونيسيا ليست اكبر بلد مسلم فحسب من حيث السكان، بل هي ايضا البلد المسلم الذي يضم عشرات من المنظمات الاسلامية الناشطة بتفاوت اساليب ومناهج نشاطها، ولاشك ان الدور الحاسم الذي قامت به استراليا من اجل تحقيق استغلال تيمور انطلاقا من اجندة معادية للمسلمين قد اثار مشاعر اسلامية واسعة النطاق في اندونيسيا. وبعد ذلك جاءت المواقف الاسترالية المنحازة الى اسرائيل والداعمة للنوايا الاميركية الشريرة ضد العراق. وشاهد القول ان ما يصنف كعمليات ارهابية مثل ما وقع في جزيرة بالى الاندونيسية يجب ان تشخص اسبابه وجذوره جنبا الى جنب مع ادانته لنعرف ما اذا كانت مثل هذه العمليات هي في حقيقة امرها فعل ام رد فعل. لقد راح ضحية حادثة الملهى الليلي في جزيرة بالي اكثر من 200 شخص. والنسبة الغالبة في هذا العدد هي رجال ونساء استراليون. وكان المأمول ان حادثة دموية بهذا الحجم المخيف سوف توقظ الطبقة الحاكمة في استراليا لتعيد النظر في توجهاتها الخارجية من اجل رسم سياسة خارجية متوازنة. ولكن للأسف فان رئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد عندما خطب في البرلمان معقباً على الحادثة الدموية اعلن ان ما جرى «يبرز الحاجة الى دعم الولايات المتحدة في حملتها ضد المتشددين الاسلاميين». إذن سوف تستمر الحلقة المفرغة في دورانها: الولايات المتحدة تواصل استفزازها للمسلمين في فلسطين والعراق واندونيسيا.. وفي كل مكان حول العالم.. المنظمات الاسلامية الراديكالية ترد بعمليات دموية فجائية الطابع.. نتيجة لذلك، تقوم الولايات المتحدة بتصعيد عملياتها لمكافحة الارهاب وتوسيع نطاقها.. تتصاعد مرة أخرى مشاعر الغضب والثأر بين المنظمات الاسلامية وهكذا دواليك. ان العقل لا يقبل ان هناك ارهابا من اجل الارهاب.. لانه لو لم تكن هناك اسباب جذرية لم تعالج لما توسع العمل الارهابي وتنامى الى مستوى ظاهرة عالمية. واذا كانت هذه الظاهرة العالمية تبرز في سياقها منظمات اسلامية اكثر من غيرها، فلأن هناك قضايا كبرى تتصل بالعالم الاسلامي تتخذ الولايات المتحدة نحوها موقف عداء مسبق للاسلام والمسلمين، فالعداء الاميركي الفاضح يستهدف المسلمين في فلسطين وكشمير واندونيسيا .. والان العراق. أجل ان مصرع اكثر من 200 استرالي وبريطاني واميركي وجنسيات غربية اخرى امر يبعث على الاسى. ولكن كم قتل ارييل شارون من الفلسطينيين ـ رجالاً ونساء واطفالاً ـ خلال انتفاضة الاقصى مع مواصلة الدبابات والمروحيات الاسرائيلية نشاطها في حصد الارواح الفلسطينية على نحو يومي؟! وبينما سارعت الحكومة الاميركية الى ارسال فرق انقاذ وفرق تحقيق الى اندونيسيا بعد أن ادانت حادثة بالي، أليس من حق الشعب الفلسطيني المسلم ان يتساءل لماذا تعتبر واشنطن مسلسل الجرائم الاسرائيلية من جنين الى غزة «دفاعا عن النفس»؟

Email