أبجديات ـ تكتبها: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 10 شعبان 1423 هـ الموافق 16 أكتوبر 2002 في احدى كتاباته سخر برنارد شو من العمل الصحفي، وقال جملة يمكن ترجمتها بأن الصحافة مهنة من لا مهنة له، وبأنه من اليسير جداً لرجل أعمال ثري ان يؤسس لابنه الفاشل جريدة إذا وجد انه لم يفلح في أي عمل، ومع اختلافنا الشديد حول رأي الكاتب البريطاني الساخر، إلا اننا نرى هذه الأيام واقعاً عملياً في عالم الصحافة ينطبق عليه وصف برنارد شو تماماً، ولكن من زاوية أخرى!! اليوم نجد ان من يفشل في الكتابة عن واقعه فإنه من السهل وببساطة ان ييمم وجهه شطر الولايات المتحدة، ويعمل في سياساتها وتوجهاتها نقده وغضبه وهجومه، فصارت الولايات المتحدة وحليفتها «اسرائيل» ملاذ كل كاتب وصحفي لا ملاذ ولا حرية له في انتقاد واقعه، وممارسات حكامه، وعليه فقد سقط الجميع في ابتذال التكرار والتشابه، واعادة تدوير الافكار والقناعات على طريقة اعادة تدوير النفايات. السؤال الذي يواجه العربي في بلاد الغرب حينما يدخل مع بعض المثقفين هناك في حوار حول جدلية المواقف العربية، والمواقف العربية، وموقف الانسان العربي من انظمته، وخنوعه الشديد لكل ممارساتها القمعية والقامعة لحرياته وحقوقه، هنا يبرز السؤال حول لماذا يطالب العرب أوروبا والولايات المتحدة ـ أو المواطنين في هذه البلاد تحديداً ـ بالعمل لصالح قضاياهم والضغط على انظمتهم من أجل مواقف اكثر اعتدالاً، بينما لا يفعل المواطن العربي شيئاً في هذا الاتجاه وتحديداً الوقوف في وجه الأنظمة حتى لو كان هذا الوقوف على شكل انتقاد أو احتجاج لا أكثر؟! هنا نعود لحكايتنا مع اميركا واسرائيل لنسأل: لماذا نجد كل هذه الشجاعة والعنترية لننتقد الولايات المتحدة وسياستها المجحفة تجاه القضايا العربية، وتجاه الحقوق والحريات والانسان في العالم العربي والمسلم، بينما لا نجد ذرة من الشجاعة لنقول كلمة واحدة ننتقد فيها الكثير من الانظمة والسلطات العربية المعروفة بمواقفها المتناقضة مع تطلعات الشعب العربي وحقوقه وحرياته؟! لماذا يستبسل قلم الرقيب ليشطب كل كلمة يمكن ان يتجرأ كاتب الرأي في الصحف العربية ليواجه بها ممارسات نظامه ومسئوليه وانحرافاتهم، وتطاولهم على منظومة القوانين والحريات والحقوق المرعية والمتبعة في كل دول العالم؟! قد تكون المصالح هي السبب، وقد يكون الخوف هو السبب الأكبر، ولكن إلى متى يبقى هذا الخوف حتى لكأن الامام علي كرم الله وجهه قد وصفنا حينما قال: ان الناس من ذل الخوف في ذل!! ستبقى المصالح هي العامل المحرك والرئيسي لكل الأطراف، النظام والمحكومين، والنخب بكل اطيافها وتوجهاتها، لكن المصالح في النهاية ترتكز على منجزات، فإذا كانت الشعوب تقبل سلطات حكامها وبقاءهم على كراسيهم كل هذه السنوات الطوال، وما دام لم يتحقق في ظل أنظمة معينة سوى الصراع والحروب الداخلية والفتن والمزيد من حالات التخلف والتبعية، والعجز عن أبسط اشكال الانتاج ناهيك عن امكانيات التصنيع والانتاج الضخم والاستقلالية في توفير الغذاء والدواء ومقومات التعليم والحياة ذاتياً، فإن السؤال المنطقي هنا: ما هي مصلحة الشعوب في بقاء أنظمة كهذه كل هذه العقود؟ وما المصلحة في عدم انتقادها أو توجيه أي احتجاج ضدها، وما السبب في عدم الخلاف معها؟ وهنا لا نتحدث عن ثورات أو أعمال عنف دامية وفتن، وسفك دماء، ولكننا نتحدث عن حق ابداء الرأي في ممارسات نراها كوضح النهار خاطئة، ويراها الجميع كذلك بينما لا يستطيع أحد ان يبادر إلى قول الحقيقة بأسلوب حضاري ومتسق مع ركائز حرية الرأي وحقوق الانسان. نحتاج لأن نصلح بيوتنا من الداخل وبأن نقوّم اعوجاج حالتنا العربية المتردية، قبل ان نقذف الشتائم على الآخرين، خلافنا الحقيقي ليس مع أميركا، فأميركا عرض لمرض تعافت منه منظومة العالم الثالث، أما المرض الحقيقي فكامن في ازمة العلاقة بين الشعوب وحكامها.

Email