بصراحة.. ما هي مشكلة هذه الأمة ؟ ؟! ـ بقلم: إبراهيم الصياد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 10 شعبان 1423 هـ الموافق 16 أكتوبر 2002 التهديد الأميركي بالعدوان على الشعب العراقي والمزيد من الإجتياح والحصار الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين، تطورات في المنطقة العربية تستلزم منا التوقف أمامها بشئ من التأمل وربما التساؤل عن السبب في عدم فاعلية التحرك العربي أو ما أصطلح على تسميته بالعمل العربي المشترك في مواجهة هذه التطورات. وهل فعلا كما يقول البعض أصبح الشأن العربي مرهونا بيد الآخرين وإلى متى ستظل أمة العرب غارقة في سبات عميق ؟! إن هذا الأمر يقودنا إلى البحث عن المشكلة الحقيقة لهذه الأمة، هل هي مشكلة افتقاد العرب لما يمكن تسميته برؤية إستراتيجية موحده لقضاياهم المصيرية؟ أم أن العرب يفتقدون روح المبادرة والفعل الإيجابي رغم إمتلاكهم عناصر القوة البشرية والمادية التي قد يحسدهم البعض عليها؟! في اعتقادي أن هذه وغيرها تساؤلات كثيرة تفرض نفسها على الفكر والعقل العربي خاصة ونحن نتابع عن كثب أخبار الاعداد للحملة الاميركية لشن عدوان على العراق وأخبار العدوان الوحشي المستمر على الشعب الفلسطيني ولا يحرك العالم ساكنا. ويمكن القول أن هناك عوامل أربعة تضافرت فيما بينها وجعلت الأمة العربية تصل إلى هذا الحال وبالطبع لن يحسدها عليه أحد! ويمكن أن نسوق هذه العوامل فيما يلي: أولا.. أن هناك شعورا عاما بحالة الضعف التي أصابت الأمة العربية وقد تكون حالة زائفة أوجدها شعور آخر نتيجة عدم الثقة في فاعلية القدرة العربية، رغم أن العرب يمتلكون عناصر القوة السياسية والاقتصادية والبشرية. ثانيا.. عدم تفعيل العمل العربي المشترك في إتجاه إيجابي يقضي على حالة السلبية والإنعزال التي تجعل من الوطن العربي محيطا من الجزر المتباعدة. ثالثا.. مازال التنظيم القومي العربي المتمثل في جامعة الدول العربية يحتاج إلى التقويم الذي يقربه من وظائفه الحقيقية ويجنبه البيروقراطية والجمود!! وهي أمراض إذا لم يتم الشفاء منها لن تكون هناك قائمة لهذه الجامعة. رابعا.. أن التطورات التي تشهدها المنطقة يتم التعامل معها عربيا من أطراف فاعلة مثل مصر والسعودية وسوريا ولكن بشكل فردي ولم تستطع مؤسسة القمة العربية رغم إنعقادها الدوري من قمة القاهرة إلى عمان إلى بيروت أن تعطي للعمل العربي المشترك حتى الآن زخما يخلق إرادة جماعية عربية فاعلة. إن هذه العوامل الأربعة في تقديري جعلت الأمة العربية تصل إلى حال شجع بعض الأطراف ومنها إسرائيل على الحديث عن إمكانية رصد مشروعات قادمة تستهدف تغيير خريطة منطقة الشرق الأوسط. ولكن قبل أن نتعرف على هذه المشروعات من الضروري التأكيد على أن الأمة العربية في حاجة فعلا إلى خريطة جديدة ليس بالمعنى الجغرافي إذا جاز التعبير ولكن بالمعنى السياسي والاستراتيجي، فيمكن لهذه الخريطة من المنظور العربي أن تحقق مثلا: إعادة العراق إلى أجواء الأمن والاستقرار وتجنيب الشعب العراقي العقوبات الجائرة المفروضة عليه. وضع إسرائيل في حجمها الحقيقي وإجبارها بكل الوسائل الممكنه على الكف عن العدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل وربط وجود الدولة العبرية بوجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف وبدون ذلك لن يتحقق الأمن للإسرائيليين. تحقيق إستقرار السودان من خلال وحدة شماله وجنوبه بدون أي تدخل أجنبي ضاغط في إتجاه العصف بإستقرار منطقة وادي النيل. تفعيل التعاون العربي الجماعي من أجل مستقبل واعد وقادر على أن يحقق لأبناء الأمة العربية آمالهم وطموحاتهم. أما المشروعات المشبوهة التي تطرح الآن لإعادة النظر في خريطة الشرق الأوسط فأعتقد أنها تستهدف بالدرجة الأولى الإجهاز التام على فاعلية وقدرة الأمة العربية وذلك بنشر الفوضى في المنطقة وهذا واضح من خلال: الإصرار الأميركي على ضرب العراق رغم موافقته على عودة فرق التفتيش الدولية وأن مزاعم إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل باطله ومن باب أولى أن تسأل الولايات المتحدة إسرائيل عنها.. فإمتلاك تل أبيب لأسلحة الدمار الشامل أمر جد خطير ويهدد أمن وسلامة المنطقة ولكن الإدارة الاميركية تغض الطرف عن إسرائيل وتختلق الأسباب وتتذرع بحجج واهنة غير منطقية تبرر عدوانها على الشعب العراقي وكأن العقوبات والمعاناة على مدى أكثر من عشر سنوات غير كافية. ونقول أيضا أن محاولة إعادة تشكيل الخريطة السياسية والجغرافية والديموجرافية للمنطقة واضحة من خلال الإصرار الإسرائيلي على تصفية الشعب الفلسطيني بتنفيذ مخطط شارون الذي يستهدف الحصار المادي والمعنوي لشعب أعزل لا يملك حقيقة سوى إيمانه بالله وعدالة قضيته. ولعل إستمرار المخطط الشاروني على النحو الذي يتم يوميا في المناطق الفلسطينية ويسعى ضمن أحد جوانبه إلى تركيع رموز السلطة الوطنية الفلسطينية أكبر دليل على أن أعداء الأمة العربية متفقون ومصممون على رسم مستقبل المنطقة وفق ما يروه منسجما مع مخططهم الأكبر وهو إزالة هذه الأمة من الوجود وليس اسم فلسطين فقط!! والغريب أن الأمة العربية شعوبا وحكومات تعي هذه الحقائق وعبر الشارع العربي أكثر من مرة عن غضبه وسخطه ورفضه لحالة التخاذل والتشرذم بين أبناء الأمة الواحدة. ومن الملاحظ أن هبات الشارع العربي تبدو كالبركان تثور ثم سرعان ما تهدأ رغم أن الغليان والفوران يبقيان كامنين في الأعماق. واللافت للنظر أيضا أن الشارع الفلسطيني وهو جزء من الشارع العربي إرتبط منذ عامين بحركة شعبية هي الإنتفاضة التي باتت اليوم مفهوما راسخا في أدبيات الفكر السياسي والقومي حتى أن المفهوم تحول عند الغرب من uprising إلى intifada بمعناه العربي وتحولت الإنتفاضة مع مرور الأيام إلى الخيار الوحيد المقبول عمليا لدى الشعب الفلسطيني لمواجهة الأوضاع المتردية في الشرق الأوسط. وهنا يمكننا القول إننا في حاجة اليوم إلى خلق علاقة تفاعل متبادلة بين الشعوب والحكومات العربية بخصوص قضايانا القومية وفي اعتقادي أن هذا سيجعلنا نضع أيدينا على سبب الداء الذي ألم بالأمة فجعلها عاجزة وبالتالي حدث إنفصال بين قمة وقاعدة الهرم القومي ساعد على تعميق مشكلة السلبية السياسية وكرس مفاهيم الضعف والتحاذل والتشرذم التي حفل بها القاموس السياسي العربي في الأونة الأخيرة، إذن مشكلة الأمة العربية هي في أننا نحن العرب تركنا أمورنا للآخرين وفقدنا الثقة في قدرتنا على الفعل الإيجابي. وفي تصوري إذا تعاملت الدبلوماسية العربية على سبيل المثال بقدر من الذكاء مع إدارة الأزمة العراقية الاميركية وذلك بحشد القوى الرافضة للعدوان على الشعب العراقي إقليميا وإسلاميا وأوروبا ودوليا فإننا في هذه الحالة يمكن أن نضع الإدارة الاميركية في مأزق حقيقي لأنها ستكون مجبرة على الرجوع عن مخطط ضرب العراق بشكل أو بآخر وكذلك إذا توحدت الجهود العربية في إتجاه ردع إسرائيل بإعادة إمتلاك العرب لزمام المبادرة وإستعاد العرب توازن القوى مع إسرائيل لصالحهم فإن مخطط شارون سوف يكون مآله الفشل حتما. خلاصة القول ان الوقت رغم كل الاحداث وتداعياتها مازال أمامنا ولم يداهمنا بعد فالفرصة متاحة لإحياء المقدرة العربية على الفعل ولن نمل من دعوة أولي الأمر فينا إلى تذكر عظمة هذه الأمة التي كانت وستكون بإذن الله «خير أمة أخرجت للناس». ـ كاتب وإعلامي مصري

Email