القدس وعقدة الصراع ـ بقلم: د. صابر فلحوط

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 10 شعبان 1423 هـ الموافق 16 أكتوبر 2002 صحيح ان كل ذرة من تراب الوطن حرم مقدس، يذاد عنه بالدم، ويفدى بالمال والبنين وزينة الدنيا، غير ان للقدس الشريف موقعا في القلب جل عن المنافسة، ونأى عن ان يكون له ند او شبيه. فالقدس التي كرمها الله في كتابه العزيز بأنبل وارفع الصفات والمزايا، والقدس مسرى الرسول العربي الاعظم، مهد السيد المسيح، ومهموس افئدة الامة. والقدس التي كانت قبلة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، يتوجه اليها في صلاته طوال ثلاث عشرة سنة هي اكثر من نصف عمر النبوة المطهرة. والقدس هي المدينة الوحيدة التي حضر اليها خليفة المسلمين بعد فتحها ليتسلمها عبر العهدة العمرية الشهيرة التي وقعها مع الكهنة المسيحيين في القدس والتي امست مع الزمن وثيقة تاريخية ومرجعا انسانيا يؤكد عظمة هذه الامة وتسامحها وتآخيها وتلاحم ابنائها مسلمين ومسيحيين. والقدس هي البقعة التي ميزتها الشرعية الدولية منذ ميلاد النكبة الفلسطينية، وقيام الكيان الصهيوني فوق الارض العربية بخصوصية غاية في الوضوح باعتبارها فوق الاحتلال والغزو والعدوان وانها عاصمة للروح، وحاضنة للاديان، وموطن للتآخي والمحبة وقد كانت عاصمة فلسطين قبل الغزو الصهيوني وستبقى في خاتمة الحل النهائي للصراع عاصمة للدولة الفلسطينية عند قيامها. هذه القدس ـ بالرغم من عشرات القرارات التي ساهمت الولايات المتحدة الاميركية باتخاذها سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، او في مجلس الامن، والتي تدعو لاعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية ـ تأتي اليوم قرارات الادارة الاميركية بتهويدها وجعلها عاصمة ابدية للكيان الصهيوني متجاوزة مشاعر مليار ونصف مليار مسلم، ومثلهم من المسيحيين الذين يرون في هذا القرار عدواناً غير مبرر من جانب أميركا على القرارات الدولية، واستهانة بالقيم والمبادئ والمنطلقات التي تجسدها القدس في ضمائر الملايين على امتداد العالم. ويأتي هذا القرار الأميركي الاستفزازي حول القدس في غمرة أحداث وتوقعات مرعبة تعيشها المنطقة، ويمثل الكيان العنصري الصهيوني اللُحمة والسدى في هذه الاحداث الدامية والقادمة صوب الأمة العربية: 1ـ فحرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني يمارسها العدو الصهيوني، بالسلاح الأميركي على مدار الساعة في فلسطين دون أن يستثني بشراً أو حجراً فوق الأرض الفلسطينية. 2ـ التهديدات الهائلة بضرب العراق تتوالى من خلف الأطلسي حاملة للمنطقة الرعب والدمار تحت ذرائع أوهى من خيوط العنكبوت. فالخوف من الارهاب لا يكون بممارسة اشنع انواع الارهاب وبمختلف اسلحة الدمار الشامل.. كما ان الحرص على الديمقراطية لا يكون بتدمير شعب، واستيراد عملاء يحكمون ارضا محروقة بصواريخ ومدمرات، وطائرات الامبريالية والصهيونية. 3ـ ويأتي قرار تهويد القدس مكافأة من الادارة الأميركية للسفاح الدولي ـ شارون ـ الذي كانت زيارته المفخخة للقدس قبل عامين هي السبب المباشر لاندلاع الانتفاضة الباسلة، وتواصل حلقات مسلسل الدم في فلسطين. 4ـ وقد مهدت الادارة الأميركية لقرارها بتهويد القدس بشن حملة اعلامية شعواء بأقلام صهيونية في الصحف الأميركية ضد اصدقاء أميركا في المنطقة العربية فلم تسلم من الهجوم الإعلامي الأميركي الظالم، لا المملكة العربية السعودية العريقة في صداقتها، ولا مصر العربية ودورها المتميز في علاقاتها مع أميركا، ناهيك عن الدول الأخرى التي تصنفها أميركا في المحاور الراسبة في امتحان الفهم الأميركي للإرهاب. إن المواطن العربي الذي يحزنه ولوغ أميركا في معاداة الآخرين لحساب الصهيونية العنصرية يتساءل بعد قرار تطويب القدس للصهيونية: ترى هل أحرقت أميركا السفن وألقت في بحر الظلمات علاقاتها، ومصالحها مع المنطقة العربية؟! أم أن جنون العظمة، وغطرسة القوة قد جعلا من التاريخ الأميركي وثيقة بين مهملات الماضي كرمى لعيني الصهيونية التي تحتل البيت الأبيض، وتستولي على بوصلة عالم القرن الواحد والعشرين في غياب غضبة الشعوب ويقظتها؟! يقيني ان قرار تهويد القدس يعتبر خطوة تصعيدية في مجرى الصراع العربي الصهيوني غير مسبوقة الأمر الذي يتطلب تحولاً جديداً في الموقف العربي على طريق التضامن الفاعل والحشد الجاد، والدعم المتنامي للانتفاضة الباسلة لاستحالة الأمل في أن يورق جذع السلام بعدما أحرقه القرار الأميركي بتهويد القدس، بمختلف المواد الكيماوية الحاقدة والمحرقة في آن. لقد أسقطت جميع رهانات السلام «والرعاية الأميركية السامية له» بامتياز، فلم يبق إلا الحجر والمقلاع لإعمار قلعة الكرامة. فهل نهتبل الفرص المناسبة قبل خراب القدس والبصرة معاً؟! ـ نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب

Email