العراق وحسابات اسرائيل الأخرى ـ بقلم: محمد احمد يوسف

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 5 شعبان 1423 هـ الموافق 11 أكتوبر 2002 يوما بعد يوم تتنامى الحسابات الاسرائيلية حول الضربة الاميركية المتوقعة للعراق، وفي ظل هذه الحسابات تبرز اشكاليتان من الداخل الصهيوني تتمحور الاولى حول فوائد ذلك بالنسبة للكيان الصهيوني وتأخذ الثانية تحذيرا من بعض مضارها ضمن شكل الضربة ومدى فعاليتها. واذا كان الكيان الصهيوني لا يظهر حتى الآن بشكل واضح تشجيعه المستمر للرئيس الاميركي جورج بوش كي يقوم بالتعجيل في ضرب العراق. فانه في الوقت ذاته يحاول ان يرتدي ثوب الحمل البريء في كثير من الاحيان، مع انه يبدي رغبة مبطنة في مشاركة القوات الاميركية عبر تهيئة العالم ان العراق يضرب تل ابيب وبالمقابل فان من حق اسرائيل الرد. ولكن تلك الاقاويل تبقى ضمن حسابات النموذج الاسرائيلي، فالاستراتيجية الحالية لتغير خارطة المنطقة ليست فقط لمصلحة الشرق اوسطية الجديدة بل للمصلحة الخاصة للكيان الصهيوني هذه المرة داخليا للخروج من ازماته وخارجيا لحل القضية الفلسطينية ضمن رؤيته الخاصة وبالتالي تشكيل النموذج الاسرائيلي الامني الجديد في المنطقة. استراتيجية عسكرية منذ حرب الخليج الثانية والكيان الصهيوني يطور وسائله الدفاعية والهجومية الصاروخية من جهة والجوية من جهة اخرى، وهذا التطوير تكفل به قائد سلاح الجو الصهيوني «ايتان بن الياهو» منذ تسلمه منصبه وقد قطع اشواطا مهمة في هذا المجال من اهمها شراء طائرات (F16) الجديدة المتطورة والتي تستطيع قطع مسافات طويلة مع حمولة كبيرة من الذخيرة القادرة على مشاركة القوات الاميركية في اية ضربة توجه ضد العراق واذا كانت اسرائيل تهدد بالرد على اي هجوم عراقي محتمل فهي في قرارة نفسها تتمنى ان تقوم واشنطن بحسم امرها سريعا كي تدخل معها شريكا في هذه الحرب، لان هذا الخيار يعتبر بالنسبة الى الكيان الصهيوني الخيار الاستراتيجي الاهم كونه لا ينبع فقط من الخوف العسكري الظاهري من العراق الذي تروجه اسرائيل بل يدخل في حساباته بعدا هاما يتمثل فيه تمركز القوات الاميركية بشكل قريب جدا من الكيان الصهيوني وسيطرته المطلقة على المنطقة وهنا يرى المحللون الاسرائيليون ان ذلك سيدعم امنهم الذي طالما يتخوفون منه لكي ينفذوا ما يريدون. ولكن اذا ما سيطرت القوات الاميركية على العراق فان ذلك سيجعل تل ابيب تأخذ قسطا اكبر من الراحة في تعاملها مع المنطقة سياسيا وعسكريا ويبدو ذلك واضحا من خلال التهديدات التي يطلقها قادة العدو ضد سوريا ولبنان بصفتهما من دول المواجهة التي لم تعقد اية اتفاقيات معها وهذا التهديد سواء وجه الى سورية او لبنان او العراق فانه في الوقت ذاته يحمل تهديدا سياسيا من نوع مختلف ركنه العسكري الوحيد تحطيم القدرات العربية التي يمكن ان تطال اسرائيل بشكل ما وفي الوقت ذاته انشاء نمط مستقبلي للتفكير الصهيوني الاميركي في ترتيب المنطقة. واذا كانت اسرائيل قد هددت مؤخرا بشن هجوم نووي على العراق ومحوه من الخارطة فان ذلك ليس غريبا على هذا الكيان كونه بهذا الهجوم لن يتأثر فقط العراق بل ستتأثر المنطقة العربية كاملة، بغض النظر عن الاثر العسكري الذي يمكن ان يتركه هذا الهجوم خاصة على القضية الفلسطينية التي مازالت مستعصية الحل على اسرائيل رغم ما تقوم به من مجازر في الاراضي المحتلة. ان استراتيجية اسرائيل في ضرب العراق تنبع الآن من مفهوم التحدي الذي تمارسه الولايات المتحدة في العالم اجمع ضمن قلادة بوش المعلقة في عنقه في محاربة الارهاب، واذا كان الكيان الصهيوني يسير على هذه الخطى فانه في الوقت ذاته مازال يحلم بشعاره التقليدي «من الفرات الى النيل»، لذلك فالتهديد بالضربة النووية الموجهة للعراق حسب ما ذكرته صحيفة هآرتس ليس إلا مغامرة صهيونية جديدة لكي تثير الفوضى في المنطقة. واذا كان تقرير الاستخبارات الأميركية الذي قدم للشئون الخارجية في مجلس الشيوخ قد ظهر على الصحافة الاسرائيلية، فإنه في الوقت ذاته بيان سياسي لا يوجه فقط الى العراق بل الى الشعب العربي من محيطة الى خليجه بان اسرائيل مازالت تحمل سيف التحدي وتشهره في وجه العرب. والمشكلة ان التسريبات الصحفية المدروسة تدور دائما حول قدرات اسرائيل، فتقرير سلاح الجو الأميركي ان تل ابيب تمتلك 400 سلاح نووي متنوع ليست الا قنبلة سياسية تفرغ في الساحة العربية، ولكن في الوقت ذاته فان البنتاجون مازال يطور الاسلحة الاسرائيلية بشكل كبير فهاهو قد باع تل ابيب في بداية يوليو الماضي الف جهاز لتحويل القنابل اليدوية الى قنابل ذكية وهذا نمط من التكنولوجيا متطور جدا وقد جرب في حرب الولايات المتحدة في افغانستان وهو سلاح يرتبط بالاقمار الصناعية مباشرة ويصيب أهدافه بدقة. ان فكرة التسريبات بشأن العراق والهجوم المحتمل عليه وبالمقابل الدعاية الاعلامية الاسرائيلية بأنها ستكون دفاعا عن النفس، تبدو غريبة في كل صورها ووصلت حتى كلمة السر الى الصحافة فقد ذكرت الصحف الاسرائيلية انه اذا فكر العراق بضرب تل ابيب فان الاقمار الصناعية الاميركية ستخبر اسرائيل مباشرة وباللحظة ذاتها سيسيطر الجيش على التلفزيون والراديو ويطلق كلمة السر التي اسموها «السور الحديدي»، وأمام كل هذا التطبيل الاسرائيلي فان تل ابيب لن تتوانى على الاطلاق في اجبار نفسها على دخول الحرب حتى لو لم يفكر العراق بضرب الكيان الصهيوني. السيناريو القادم ان الكيان الصهيوني الذي يركب سيناريو بوش في مكافحة الارهاب ويحاول ان يكون بطله ضمن رؤيته الخاصة يشترك مع واشنطن بتقاطعات ثنائية ليس اولها الأمن بل لعله يربط التفكير بهذه القضية بمشكلة العراق والقضايا العربية المشتركة، وهو في الوقت ذاته يمارس سياسة تطويقية تعبر عنها صحافته بشكل يومي، وحسب ما ذكرته صحيفة معاريف العبرية فقد اعطت تل ابيب تعليماتها لممثليها في الداخل والخارج بعدم ابداء اية آراء يمكن تفسيرها بأن اسرائيل تحاول حث بوش بالاسراع بحربه ضد العراق لان هذه التصريحات قد تؤثر على رؤية العالم لهذه القضية، فمن المعروف ان معظم دول المعمورة لا تؤيد ضرب العراق وهي لاتريد ان تقف موقف معارض يستفيد منه كل من يقف ضد ما تقوم بها اسرائيل بالاراضي المحتلة سواء من العرب او غيرهم، اضافة الى ذلك فهي لاتريد لعملية بوش معارضة اضافية من العرب الذين يرفضون بشكل عام افكار واشنطن بشأن الهجوم على العراق. ومع كل هذه الخطط السياسية فهي في الوقت ذاته تسعى الى المناورة السياسية السريعة بهذا الشأن وتؤيد بشكل كامل خطة بوش رغم بعض الحسابات التي تؤثر على مصالحها، وهذا ما يراه «حيمل شاليف» المحلل السياسي في صحيفة معاريف حين يقول: «الجمهور باسرائيل وخاصة قيادته شريك كامل في فلسفة بوش ويؤيد نضاله ضد محور الشر ويثني على كراهيته الشخصية الظاهرة لصدام حسين..». ويذهب هذا الكاتب ليرى ان على الولايات المتحدة ان تسرع بعمليتها قبل ان تطور بغداد اسلحتها التقليدية حسب ادعائه، ورأي هذا الكاتب الذي يمثل كل اركان الحكومة الاسرائيلية ومحلليها السياسيين الذين بدأوا يتبارون في توقع زمن الضربة ضمن ايمان مطلق بأنها قادمة وسريعا جداً. والسيناريوهات التي يطلقونها بشأن زمن الضربة تأخذ بعدا نفسيا آخر، فهل تتعامل مع توقعات زمن الهجوم الاميركي على انه سيكون زمنا مقدسا في مكافحة الارهاب وتنقسم الى ثلاثة ازمنة متقاربة الزمن الأول يرى ان الضربة ستكون قريبة جدا وستأتي بمناسبة الحادي عشر من سبتمبر ردا معنويا على التفجيرات التي حصلت في هذا التاريخ، أما القسم الثاني فيرى انها ستكون قبل الانتخابات الجزئية في الكونجرس اي قبل نوفمبر، اما القسم الثالث فيرى انها ستأتي بعد الانتخابات حيث سيستقر الوضع السياسي في الولايات المتحدة وعلى أبعد تقدير في الاشهر الأولى من عام 2003م. وهذه التواريخ بطبيعة الحال تأخذ شكلا دراميا من حيث السيناريوهات حيث يرى المحللون الاسرائيليون ان دخول القوات الأميركية لبغداد سيسبب تنامي العداء في الشارع العربي ضد واشنطن ويفجره ضد الكيان الصهيوني، وهذا سيعني بشكل ما عدم استقرار في الكيانات العربية الرسمية التي قد تغير من طبيعة تعاملها مع القضية الفلسطينية وقد تثبت وجودها امام جماهيرها، ومن جهة اخرى فإن السياسة الاسرائيلية تتخوف من ضربة عراقية بصواريخ مجهولة الفاعلية حتى على المخابرات الاميركية مما دفع الكيان الصهيوني الى التهديد بضرب العراق بالصواريخ النووية، ويأتي التخوف الاسرائيلي من ان يترافق قصف العراق مع عمليات استشهادية فلسطينية محملة بأسلحة عراقية متطورة بيولوجية او كيماوية حسب ما ترى بعض التحليلات العسكرية الاسرائيلية. ان اتفاق واشنطن وتل ابيب على ضرب العراق هو اتفاق متناغم استراتيجيا وسياسيا، فتل ابيب تؤيد افكار بوش وصقور الادارة الاميركية التي لا ترى حلا سوى الهجوم على العراق وبسرعة فائقة وبأهم الاسلحة الاستراتيجية المتطورة التي توجهت باتجاه الشرق الاوسط، وفي هذا الوقت باتت الاوساط الصهيونية تتمثل في اراء بوش حين قال: ان التزامنا برفاهية اسرائيلية وأمنها وتفوقها العسكري النوعي لا يستند فقط الى مصالحنا الاستراتيجية وانما يستند الى ايماننا المشترك بالديمقراطية وحقوق الانسان وسلطة القانون، وهذا بالطبع يؤيد حكومة اسرائيل الدموية التي مازالت الولايات المتحدة تصفها بانها حكومة تهتم بحقوق الانسان رغم كل المجازر التي يقوم بها الكيان الصهيوني يومياً. في ظل هذه الاجواء المشحونة فان الكيان الصهيوني يلعب لعبته متفردا مع غياب عربي شبه كامل رغم ان المسألة ستؤثر اولا واخيرا على العرب من محيطهم الى خليجهم كما اثرت ضربات افغانستان على شبه القارة الهندية واسيا الوسطى، مما يعني ان المخطط الاسرائيلي ـ الاميركي القادم سيحقق الغرضين لكلا الطرفين فالكيان الصهيوني سيعيش في بيئة شبه اميركية ينفذ من خلالها مخططاته القديمة واهمها على الاطلاق القضاء على الانتفاضة، ومن ثم تنفيذ مشروع تهجير وتوطين الفلسطينيين في العراق ذلك المشروع القديم الذي طالما حلمت به اسرائيل، اما الولايات المتحدة فإنها بلاشك ستسيطر على نفط العالم بعد ان سيطرت على نفط قزوين وأواسط آسيا كاملة، وبدخولها قلب الوطن العربي ستهدد كل من اتهمته بالارهاب سواء من العرب او من محيطهم وخاصة ايران التي تصنفها الولايات المتحدة مع هذا المحور. ويبقى السؤال: ماذا سيفعل العرب تجاه كل هذه التهديدات سواء الأميركية او الاسرائيلية وفي مقدمتها ضرب العراق الذي يعاني من موت يومي نتيجة الحصار قبل ان تقضي عليه اسرائيل قبل الولايات المتحدة؟! ـ كاتب فلسطيني

Email