خواطر ـ أخذ ومعانيها ـ بقلم: عبدالوهاب قتاية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 5 شعبان 1423 هـ الموافق 11 أكتوبر 2002 في أثناء بعض قراءاتي، توقفت «مأخوذاً» أمام الفعل «أخذ»، لوفرة المعاني والدلالات التي يؤديها، بحسب التعابير والأساليب التي يرد فيها، أو بحسب الحروف التي تستعمل تالية له، أي التي يتعدى بها إلى مفعوله. فمن استعمالاته متعدياً بنفسه، أي بدون حروف جر، يقال: أخذ الفائز الجائزة، وأخذ المظلوم حقوقه، بمعنى حازها وحصلها، و من ذلك الآية الكريمة: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها». ومن ظريف الشعر في هذا المعنى قول الشاعر: قد قُلت إذ سار السفين به والشوق ينهب مهجتي نهباً لو أن لي عزاً أصول به «لأخذت» كل سفينة غصبا وفي معان أخرى بعضها قديم وبعضها مستحدث، يقال: «أخذ الحديث» بمعنى نقله ورواه، و«أخذ ثأره» (وأخذ بثأره) أي انتقم لنفسه، و«أخذ أهبته» أي استعد، و«أخذت الخمر عقله» أي أفقدته رشده، و«أخذته الألسنة» أي تناولته بالغيبة، و«أخذته العزة بالإثم» أي تمسك بخطئه، و«أخذته سِنة من النوم» أى غلبته، و«أخذ جزاءه» أي نال عقابه، و«أخذ حذره» أي تيقظ وتنبه، و«أخذ مجلسه» أي جلس (ومثله أخذ مقعده أو مضجعه)، ومن ذلك يروى عن أبي سعيد الخدري في حديث له «قال: خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا». كذلك يقال: «أخذ راحته» أي استراح، و«أخذ الطائرة» أي ركبها وسافر، و«أخذ وأعطى» بمعنى تعامل وتفاهم، و«أخذ روحه» أي قتله أو قبضها، و«أخذ الجندي عدوه» أي أسره، و«أخذ الداء فلاناً» أي أصابه. ويقال: «أخذه بالحسنى» أي عامله برفق، و«أخذه بالشدة» أي عامله معاملة شديدة أو قاسية، و«أخذه بعين الاعتبار» أي اهتم به وحسب له حساباً. ويقال: «أخذته الرحمة أو الرأفة بالضعيف» أي رحمه ورأف به، ومن ذلك قوله تعالى: «ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله»، وأخذته الصيحة، أو الرجفة، أو الصاعقة، كما في قوله تعالى: «وأخذتهم الصاعقة بظلمهم»، ومثل ذلك «أخذه العذاب»، و«أخذه العجب وأخذ به العجب كل مأخذ»، و«أخذ أخذ فلان أو مأخذه» أي سار سيرته وتخلق بأخلاقه. ويقال: «أخذه بالأمر» أي ألزمه، و«أخذه بذنبه» أي جازاه وعاقبه، كما في قوله تعالى: «فكلا أخذنا بذنبه»، وكما في قول المثل: «قد يؤخذ الجار بذنب الجار»، وكما في قول كعب بن زهير: لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب، ولو كثرت في الأقاويل ويقال: «أخذ عليه كذا» بمعنى عده عليه وعابه، كما في قولنا: يؤخذ على بعض المذيعين كثرة أخطائهم اللغوية. ويقال: «أخذ عنه العلم» أي تلقاه، كما في قولنا: أخذ الشافعي الفقه عن الإمام مالك. ويقال: «أخذ عليه الطريق» أي قطعه، و«أخذ عليه الأرض» أي ضيق عليه سبلها، ومن ذلك قول جرير: أخذنا عليكم عيون البحور وبر البلاد وأمصارها ويقال: «أخذ على عاتقه كذا» أي تولى أو تحمل مسئوليته، و«أخذ على نفسه كذا» أي تعهد وألزم نفسه كذا، ومثل ذلك «أخذ عليه عهداً» أي ألزمه به. ومن التعابير التي يتعدى فيها بالحرف «على» يقال: «أخذ على يده» بمعنى منعه عما يريد أن يفعله، ومن ذلك الحديث الشريف: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه». ومثل ذلك «أخذ على فمه» أي منعه من الكلام. ويشيع في لغة العامة «أخذ على خاطره» بمعنى تكدر. ويأتي الفعل «أخذ» متعدياً بحرف «الباء» فيقال: «أخذ بالكتاب» أي تناوله وأمسك به، ومن ذلك قوله تعالى: «وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه»، و«أخذ بيده» أي أعانه وساعده، كما في دعائنا: «اللهم خذ بيدي». ويقال: «أخذ بنفسه» أي غلبه وقهره، كما في قول بلال للرسول صلى الله عليه وسلم حين غلبه النوم: «أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله». ومثل ذلك «أخذ بالعقول» أي أقنعها، و«أخذ بالقلوب والأبصار» أي سحرها وجذب انتباهها. كذلك يقال: «أخذ بتعاليم الإسلام» أي اتبعها وسار على نهجها، و«أخذ الرجل بتلابيب اللص» أي أمسك بخناقه. كما يقول العامة: أخذ بخاطره، أي طيب خاطره أو عزاه في وفاة قريب له. ثم يبقى استعمال للفعل «أخذ» هو أكثر الاستعمالات شيوعاً، وهو استعماله فعلاً من أفعال الشروع، بمعنى بدأ، و بمعنى جعل، كما في قولنا: أخذ في العمل، وأخذ يفعل كذا.

Email