آخر الكلام ـ يكتبها: مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 4 شعبان 1423 هـ الموافق 10 أكتوبر 2002 نحن اهل الكلام وسياسيونا العرب على اعتبار انه لا يباريهم احد في هذا المجال، ومن منظور خبرات متراكمة عهدناها منذ زمان في الحرب وفي السلم، الا انهم هذه الايام وكما يبدو قد تخلوا عن هذه الوظيفة والهواية. واذا كان بوش بالامس كان يقف خلف منصة الخطابة ليقنع شعبه بضرورة الذهاب الى الحرب، في خطاب طويل وعريض استنفد فيه كل مشاعره لتحقيق مراده، وصفق له الحضور بحرارة، فاننا لم نقابل على الطرف الاخر خطابا مماثلاً لرئيس عربي، يرد عليه ويفنده، او حتى يقرأه قراءة تفكيكية تحليلية ليرشد بني جلدته الى مدلولاته، وكأن خطاب بوش الذي يريد الحرب لا يجوز ان يقابله خطاب ينبذها ويطرح بدائلها.. لهذا فنحن المواطنين العرب لا نجد من يهدينا السبيل من اولي الامر عندنا، وكل ما نحاول ان نسعف به انفسنا لنفهم اللعبة التي تبرم خيوطها امام اعيننا هو ان نتعلق بآراء المحليين السياسيين الذين يريدون ان يقولوا كل شيء ويخفوا ايضا كل شيء، وفي غالب احاديثهم يندفعون الى فرد عضلاتهم بين الطرفين.. وعلى منوال «مالك الا هيفا» فان المواطن العربي لا يجد ما يرفع به صوته وخطابه الا من خلال وسيط غير عربي، فاذا قالت فرنسا انها تطرح حلا غير حل حرب بوش الوقائية، قال معها، وان قالت روسيا انها تؤيد الاخيرة مع بعض التعديلات، مال العربي الى التعديلات، وان سمع من وراء الكواليس ان سلطاته العربية تميل لحظة هنا ولحظة هناك اهتز المواطن العربي ذات اليمين وذات الشمال، فصار كرقاص الساعة، او رقاصة المرقص التي ليس لها صاحب.. حتى الكلام فقدته امة الكلام، وصار علينا ان نبحلق عيوننا كالبقر في ملامح بوش وهو يخطب في شعبه، وان نفرد جلود آذاننا كي نسمع طبقات صوته، وان نتفرس في ملامح السيد الابيض بكل ما أوتينا من فراسة، ليس لفهم ما يقوله السيد، فهو لا يطلب الا الحرب!! ولكن لقياس ما يمكن ان نستنتجه من ردات فعل على الخطاب وفي الطرف الاخر.. امة الكلام فقدت الكلام.. حقيقة لا نريد ان نصدقها، لاننا لو فعلنا فهذا يعني اننا نعترف بخسارة آخر اسلحتنا، رغم انه السلاح الذي ذبحنا به طيلة ما انقضى من زمان التردي.. قال بوش، وفند بوش، وقرر الحرب بوش، وها هو يمتطي حصانه نحو الشرق غير الفلول التي سبقته اليه، وما قال العرب، وما فندوا، وما قرروا ولا امتطوا لا أحصنه الكلام ولا الملام.. يبدو وكما يقال ويروج الان.. اننا امة ما عادت تمتلك قدرة ارسال الاشارات بقدر ما صارت لها قدرة على الانصياع!! مؤلم هذا التوقع، والاكثر ألما انك تقف في الميدان بلا رمح ولا ترس، رأسك مكشوف، صدر عار، وظهرك تحسره الصدفة الغادرة.. آه.. يا امة الكلام ما لك الا هيفا!!

Email