بدون عنوان ـ تكتبها: مريم عبدالله النعيمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 4 شعبان 1423 هـ الموافق 10 أكتوبر 2002 تثبت آخر الدراسات المتعلقة بمسألة الصفات والاستعدادات الفطرية التي يولد عليها الانسان ان المشاعر الغيرية مشاعر متأصلة في اعماق النفس البشرية، وانه كما يولد الانسان ولديه مشاعر طاغية تجاه الدفاع عن نفسه والحفاظ عليها وحمايتها من الاذى، فان المرء يولد كذلك ولديه ذخيرة من المشاعر الغيرية تدفعه باتجاه خدمة الآخرين، ومد يد المساعدة اليهم!! وبهذه النتيجة التي حسمت مسألة الطباع والاستعدادات الفطرية التي تولد مع الانسان لصالح التعاون، يصبح من الصعب مجرد القبول بفكرة ان هذا الشخص الناري الاناني ينزع بفطرته الى تكريس مفهوم الحفاظ على الذات بطريقة معكوسة. ويصبح من حقنا ان نجأر بالصراخ المدوي في وجه فريق الانانيين من البشر، الذين بالغوا في حبهم لذواتهم على حساب صفات اخرى ولدت معهم، ومشاعر جميلة صاحبتهم في المراحل الاولى من حياتهم، فأين ذهبوا بتلك المشاعر؟ وكيف استطاعوا ان يدمروا جزءاً نقيا من صفاتهم التي ولدوا بها؟ وتحت اي مبرر اختار احدهم التمرد والعصيان على ما اودعه الخالق من جمال في الروح لو اتيح له الظهور لساهم في التخفيف من معاناة البشر!! ومن شقاء الانانيين ان احدهم يختزل العالم كله في شخصه، ويختصر الوجود في كيانه الضئيل، ويرى ان الاشياء من حوله ما خلقت الا لاجله، فهو محور الكون، ولمثله تدور النجوم في افلاكها وتشرق الشمس من مطلعها بانتظام، وتغيب عن وقتها المحدد بنفس النظام والدقة ليحدث التناغم ـ بزعمه وظنه السقيم ـ بين لهاثه وراء حظوظ نفسه، وبين حركة الليل والنهار التي يرى فيها متسعا للاستيلاء على ما ليس له بحق!! ومما يثير الشعور بالتقزز ان قبح الانانيين يزداد يوما بعد يوم، وان اطماعهم تتواصل دون كلل، وتكبر فيهم خصائص تكفي لتدمير بقايا الخلايا الحية التي مازال يسمع اصواتها المكتومة تحت ركام الطمع والجشع والانكفاء على الذات، ضاقت نفوسهم عن الناس، وضاق الاسوياء بهم وجفت ينابيع العطاء من بين ايديهم ومن خلفهم، واصبح المؤمل في ان يبدر منهم نوع من الحذق للآخرين كالباحث عن السراب في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء. لو تاب ابليس عن وسوسته لتابوا هم عن جشعهم الذي لا حدود له. ضربوا بمعول «الانا» المريضة كل قيم التعاون والعطاء، واصبح وجودهم في الحياة عبئاً عليها وثقلا اضافيا تنوء به الارض التي انهكها طول بقاء هؤلاء. يود احدهم لو سرق اللقمة من فم اخيه، والماء من شفتيه، وسرق النور من عينيه يستكثر على الناس القليل الذي بين ايديهم، ويستقل المال العظيم الذي يملك!! ويظن ان كل خير يطرق باب غيره كان هو الاولى به ممن اتاه ووصل اليه. ضئيل هو، وان بدا فارع الطول عظيم البنية. ميت هو، وان مشى في ثوب الاحياء، وغدا وراح!! مبغوض هو، وان ظن ان الناس تحبه فما هو الا النفاق والمجاملة والتزلف!! لا نكاد نراه لانه قزم، ولا نكاد نسمعه لان آذاننا بها صمم عن صوته النشاز، وكلماته المهلهلة!! لله ما اسوأ الحياة يوم يكثر فيها مثل هؤلاء الاذناب من البشر!! لله ما اصعبها حين يصبح واجبا على المرء ان يجامل هؤلاء، او يجالسهم، او يناديهم. لله ما اضيق العيش لولا فسحة امل في انه مهما طال المقام بهم فانهم زائلون!! والسؤال الثائر: ترى كم عددهم في هذه الامة المبتلاة بأبنائها؟ وكيف يمكن تحجيمهم حتى لا تدور الدائرة على المغلوبين على امرهم الذين لسبب او لآخر وجدوا انفسهم وجها لوجه امام هذا الطوفان البشري المدمر؟!

Email