خواطر ـ مصرع صرصار..! ـ بقلم: أبو خالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 4 شعبان 1423 هـ الموافق 10 أكتوبر 2002 مات صرصار، وعادة تموت آلاف الصراصير دون ان يشعر بها أو يحزن لوفاتها أحد، وبصرف النظر عما إذا كان المرحوم مات متأثراً برشة مبيد حشري جيد المفعول، أو دهساً بقدم إنسان استفزه منظر الصرصار فأجهز عليه، أو مسموماً بسم دُس له في طعام مخصص لإبادة الصراصير، فالأمر كما يقول الشاعر «تعددت الأسباب والموت واحد»، عموماً.. هذا حدث عادي لا يهم أحداً ولا يثير شفقة أحد، فالناس مشغولون بآلاف البشر الذين يسقطون كل يوم تحت أقدام الاحتلال أو في سجون ومعتقلات النظم الديكتاتورية، والناس همومهم ومشاكلهم أكبر بكثير من موت ذلك الصرصار أو ذاك..! ولكن.. ولأمر ما.. ربما لأن ذلك الصرصار مات في احدى دول العالم الثالث.. وفي إحدى الدول العربية المغضوب عليها بالذات فقد تحركت الآلة الإعلامية في أميركا في حملة منظمة ومركزة للتساؤل في أول الأمر عن سر موت الصرصار في هذا الوقت بالذات.. وفي ظل تصاعد المقاومة للاحتلال في الأرض المحتلة والتلويح الأميركي المستمر بضرب العراق، وراحت الصحف تشكك في أسباب الوفاة.. وفي توقيتها، وتلمح إلى احتمالات وجود علاقة ما بين موت الصرصار وبين نشاطات من تبقى من تنظيم القاعدة والتي تعددت في الأيام الأخيرة..، بينما أكدت صحف أخرى ان الصرصار مات مقتولاً وأن عدداً من الناشطين في منظمات «حقوق الحشرات» تحدث عن تعرض الصرصار قبل قتله للتعذيب على أيدي بعض رجال المخابرات العربية!! صحيفة «نيوز أوف أميركا» الوثيقة الصلة بالإدارة الأميركية كتبت في افتتاحية عددها الأخير: «قد يكون موت صرصار ـ أي صرصار ـ أمراً لا يهم أحداً ولا يثير انتباه أحد، ولكن ظروف مصرع هذا الصرصار وتوقيته يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة في الوقت الذي تعد فيه الإدارة الأميركية عدتها لضرب العراق، وخاصة بعد ظهور ما يؤكد تواجد مجموعات من تنظيم القاعدة في عدد من الدول المحيطة بالعراق، بالإضافة إلى التقارير التي أكدت أن التنظيم المذكور قد جنّد إلى جانب البشر فصائل عديدة من مخلوقات أخرى قد تكون الصراصير من بينها للقيام بعمليات إرهابية متطورة بعيداً عن حسابات المخابرات الأميركية التي لم ولن يخطر ببالها ولا ببال عملائها المندسين في كل مكان على سطح الكرة الأرضية مراقبة تحركات الحيوانات أو الحشرات المشبوهة التي تدخل حلبة الصراع الإرهابي لأول مرة». وأضافت الصحيفة المذكورة: «مصرع أو اغتيال هذا الصرصار لا يجب أن يمر مرور الكرام، فهو إلى جانب تأكيده للأوضاع غير الديمقراطية التي تشمل معظم الدول والأنظمة العربية والتي تطال أصحاب الرأي حتى لو كانوا من الصراصير، يؤكد أيضاً ضرورة وضع كل المخلوقات (وليس البشر فقط) تحت المراقبة الدقيقة من الـ «سي.آي.إيه» تحسباً لدخول عناصر غير بشرية ساحة الصراع ضد الإرهاب بعد تجنيدها من الدول التي تمثل (محور الشر) الذي أشار إليه الرئيس بوش محذراً منه ومن نشاطاته العدوانية أو الإرهابية»..! صحيفة «وورلد أوف وورلد» البريطانية قالت هي الأخرى معلقة على موت الصرصار المذكور: «طالما نصحت حكومة (بلير) الإدارة الأميركية بالحذر كل الحذر من احتمالات توسع (محور الشر) في نشاطاته لتطوير عملياته بعد انكشاف أمره إبان حرب أفغانستان، فبريطانيا مع تأييدها المطلق للسياسة الأميركية، ومع انضمامها المبكر لمعسكر الخير في حربه ضد معسكر الشر، إلا أنها ـ بحكم خبرتها الاستعمارية السابقة ـ ترى أنه من الضروري وضع كل المخلوقات الكونية.. من أصغر نملة أو صرصار إلى أكبر ثور أو فيل تحت دائرة الاتهام إلى أن تثبت براءته، فحربنا ـ مع العزيزة أميركا ـ ضد الإرهاب بشتى ألوانه وأشكاله حرب شرسة.. حرب بقاء..، وفي حرب البقاء لا يصح الاستهانة بتحركات مشبوهة لأي مخلوق.. حتى ولو كان صرصاراً..»! على الساحة العربية.. ورغم التحفظ الظاهر في تعليقات المسئولين العرب على الحادث وتأكيدهم على أنه حادث عرضي لا يستحق هذا الاهتمام، إلا أن بعض الصحف المعارضة أكدت وجود حركة اعتقالات واسعة شملت أعداداً كبيرة من الصراصير بحثاً عن خلايا أو تنظيمات سرية لها علاقة بالإرهاب أو بتنظيم القاعدة، وأكدت أن عدداً من المعتقلين الصراصير تعرضوا للتعذيب الجسدي خلال التحقيق..، وأن هذا التعذيب أثار ردود فعل مناهضة من جانب نشطاء حقوق الحشرات ودفعهم إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن كل صرصار لم تثبت إدانته، إلى جانب المطالبة ببحث حالة المعتقلين والتحقيق في وقائع التعذيب المشار إليها..! حادث مصرع الصرصار لم تنته ذيوله بعد..، وما زالت أصداؤه تتردد في الأوساط الإعلامية والدولية حتى الآن بين مشكك في الحادث من أساسه.. وبين محذر من أخذ قضية مصرع الصرصار بعدم الجدية باعتبار أن ذلك الحدث وإن بدا عادياً أو تافهاً قد يكون بداية عصر تستولي فيه الحشرات وفي مقدمتها الصراصير ـ على مقاليد الأمور في العالم بعد تآكل وسقوط العصر الأميركي، ولا يدري أحد حينذاك حجم وكم المبيدات التي ستحتاجها شعوب العالم لمقاومة الوارث الجديد والأوحد للنظام الأميركي الراحل..!!

Email