ماذا بعد ضرب العراق ؟! ـ بقلم: ابراهيم الصياد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 2 شعبان 1423 هـ الموافق 8 أكتوبر 2002 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حدد الرئيس الأميركي جورج بوش خمسة شروط «تعجيزية» للعراق لتحاشي ما أسماه ضربة عسكرية إجهاضية تحيد أسلحة الدمار الشامل بحوزته مما يعني أن الحرب على العراق قادمة لا محالة رغم أن بوش لم يلمح الى توقيت بدء هذه الحرب التي حاول أن يحشد لها تأييدا دوليا ويسبغ نوعا من الشرعية على أي تحرك عسكري ضد بغداد. وفي قراءة سريعة لشروط بوش نجد أنه يدعو العراق الى التوقف فورا عن مساندة الارهاب رغم أنه لم يقدم القرائن التي تثبت تورط العراق فيما حدث في الحادث عشر من سبتمبر عام 2001 وفي شرطه الثاني يطرح مقولة عامة يحاول من خلالها التدخل في الشئون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة عندما يدعو بغداد الى التوقف عن صور اضطهاد المواطنين العراقيين بمن فيهم الشيعة والسنة والتركمان وفي تقديري أن الاختلاف الطائفي ظاهرة موجودة في كثير من الدول ولم تتحرك واشنطن لحسمها هنا أو هناك. أما شرطه الثالث فهو يتعلق بآثار الغزو العراقي للكويت عام 90 وأعتقد أن العراق في مؤتمر القمة العربي الأخير في بيروت أبدى استعدادا لمناقشة قضية الأسرى الكويتيين وحل القضايا العالقة في هذا الشأن الذي يصبح أحد مهام جامعة الدول العربية لحلحلة الخلافات العربية - العربية!! وكان شرطه الرابع حقا يراد به باطل فهو أي بوش يتحدث عن صور التجارة السرية خارج برنامج النفط مقابل الغذاء التي تضر بمصلحة الشعب العراقي ولم يقترب بوش من صلب الحقيقة الواضحة أن العقوبات المفروضة على الشعب العراقي كانت واشنطن دائما وراء اقرارها وتنفيذها وتصعيدها حتى أن هذا الشعب الذي يدافع عنه بوش افتقد للغذاء والدواء بسبب سياساته غير العادلة. أما موضوع المفتشين والأسلحة النووية التي يدعي بوش أن لدى بغداد الامكانات البشرية والتقنية الكفيلة بانتاج قنبلة نووية خلال عام واحد بمجرد الحصول على مواد إنشطارية هو مرتبط بمدى المصداقية في هذا الأمر من ناحية ومدى قبول العراق بمبدأ التفتيش من ناحية أخرى وتناسى الرئيس الأميركي أن اسرائيل وهي دولة موجودة في المنطقة تمتلك بالفعل أكثر من 200 قنبلة نووية ولا يحرك بوش تجاهها ساكنا. ومن هنا تعرضت السياسة الأميركية تجاه العراق لموجات من النقد والاعتراض لاسيما انتقاد الحلفاء الأوروبيين لدوافع خطوة اعلان الحرب على العراق التي وصفها المستشار الألماني جيرهارد شرودر بأنها حرب منفردة. واذا تصورنا أن التحرك العسكري الأميركي ضد العراق سوف يتم عاجلا أو آجلا فإن هناك سؤالا يطرح نفسه الآن بعد تفنيد المزاعم الأميركية المتمثلة في الشروط الخمسة المشار اليها هل ضرب العراق واقصاء الرئيس صدام حسين هو الهدف النهائي أم أن ما تراه أميركا هو شيء آخر لا يقتصر عند مجرد اسقاط النظام العراقي؟! بعبارة أخرى.. هل غاية الولايات المتحدة مجرد الاطاحة بصدام حسين فقط أم أن هناك أبعادا أخطر كامنة وراء العملية الأميركية ضد العراق؟! للاجابة الموضوعية عن هذا التساؤل لابد من القول في البداية أن هذه العملية مهما كانت المبررات الأميركية لها هي اجراء يفتقد الى التأييد الاقليمي والدولي وحتى داخل المجتمع الأميركي نفسه هناك قطاعات فيه تبدي رأيا يتراوح بين الرفض التام للعملية أو التحفظ على القيام بها وحتى على مستوى دائرة صنع القرار الأميركي لا يمكن القول إن اتفاقا تاما قد تم التوصل اليه بين بوش وكل معاونيه الذين ينقسمون بين صقور وحمائم على ضرورة تنفيذ عملية عسكرية ضد العراق بشكل عاجل. ومن هنا يظل خيار الضغط على الادارة الأميركية وتحديدا على من يسمون بالصقور المصرين على شن الحرب قائما بشكل أو بآخر خاصة من قبل حلفاء أميركا الأوروبيين الذين يتحفظون على أو يرفضون توجيه ضربة للعراق وإن كانوا من وجهة نظري يتفقون على موقف لا يحبذ نظام الرئيس صدام حسين. ويبقى الاختلاف بين الأوروبيين في الكيفية التي يجب التعامل من خلالها مع النظام العراقي ولكن لا تصل هذه الكيفية الى حد استخدام القوة العسكرية ضد بغداد وعليه تظل الفجوة واسعة بين الموقفين الأوروبي والأميركي بخصوص التعامل مع العراق. ومن الأهمية بمكان الاشارة هنا الى الموقف العربي الذي يجمع على رفض الضربة الأميركية حتى من أكثر الأطراف تحفظا على نظام الرئيس صدام حسين. إن الاختلاف واضح بين النموذجين العراقي والطالباني ولاشك أن دوافع التعامل مع العراق مختلفة عن الدوافع التي تسببت في حرب أفغانستان رغم محاولة الحكومة الأميركية تصوير ضربتها القادمة للعراق بأنها جزء من حملتها ضد ما يسمى بالارهاب. في ضوء ما تقدم نجد أن هناك غايات أخرى تسعى الولايات المتحدة اليها في حال ضرب العراق ويتضح ذلك من أن التخطيط الأميركي «المنفرد» حتى الآن لشن حرب على العراق يأتي في إطار السياسة الخارجية الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي قسمت العالم بين «أخيار» و«أشرار» الأخيار هم من وقفوا في صف الولايات المتحدة والأشرار هم من عارضوا أهدافها وتوجهاتها!! وكان من الطبيعي أن يوضع العراق على لائحة الأشرار، وفي تقديري أن المسألة أعمق وأخطر من ذلك بكثير لأن العراق ليس هو المستهدف الوحيد بل ان السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تبحث الآن عن رسم خريطة جديدة للمنطقة تعتمد فيها على عنصرين مهمين: العنصر الأول: تكريس مبدأ التقسيم الاقليمي وتشجيع النزعات الانفصالية في الدول العربية. العنصر الآخر: تصعيد الصراع العربي الاسرائيلي في اتجاه ترجيح كفة اسرائيل لتسود المنطقة مستقبلا. وعليه ليس غريبا أن نشير الى الدور الأميركي في تفاهمات ماشاكوس بين الحكومة السودانية وعناصر التمرد الجنوبية بزعامة جون قرنق وهي تطورات متلاحقة بها نوع من الشبهة وتعطي مؤشرا لدور أميركي يكرس فصل شمال السودان عن جنوبه!! وفي ضوء الدور الأميركي في السودان ليس من المستبعد وبطريقة أخرى، تعمل الولايات المتحدة على تقسيم العراق بإنشاء دولة كردية في الشمال بعد الاطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين. أما باقي العراق فيمكن تقسيمه الى دولتين سنية وشيعية!! ثم يحل الدور على دولة عربية ثالثة ورابعة وهكذا تكتمل صورة الخريطة الجديدة للمنطقة العربية. والسؤال: هل الأطراف العربية واعية لمثل هذا التوجه؟! قد يكون الوقوف الجماعي العربي الى جانب العراق يعكس وعيا قوميا بدرجة ما بخطورة الموقف الحالي والمتوقع بعد ضرب العراق. ولكن هل يكفي مجرد رفض الموقف الأميركي والتحذير من عواقب شن حرب على العراق؟ أعتقد أن التحرك العربي هذه الأيام ما زال يحتاج الى مزيد من التفعيل رغم ما يقال من البعض عن أن النظام الرسمي العربي يجب ألا يتحدى الولايات المتحدة لأنه بذلك «يقامر» بمستقبل العلاقات العربية الأميركية التي شابها الكثير من التوتر والاحتقان بعد وقوع الهجمات على واشنطن ونيويورك العام الماضي. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: أليس من حق العرب أن يدافعوا عن مستقبلهم ومصالحهم ومنطقتهم؟ أم أنه تحت زعم حماية العلاقات مع أميركا يجب التزام العرب الصمت حتى يقع «الفأس في الرأس» كما يقول المثل العربي ويجد العرب أنفسهم أمة مقسمة مشتتة لا حول لها ولا قوة تتحكم اسرائيل في مصيرها بعد تمكينها من السيطرة على نقاط القوة في هذه الأمة!! وفي تقديري أنه يغيب عن الكثيرين أن الولايات المتحدة سوف تضع في حسبانها أهمية الجانب العربي اذا تخلى عن ضعفه وتجاوز عدم القدرة على الفعل ولعل الجانب الأميركي سيشعر بأن مصالحه في خطر اذا لم يضع في اعتباره أن استمرارية علاقاته مع العرب مرتبطة بحفاظ هؤلاء العرب على مكانتهم وامتلاكهم لزمام الفعل والمبادرة وعليه أن يقتنع أن هذا يصب في ذات الوقت لصالح الأميركيين أنفسهم!! نافلة القول.. لا يجب أن ينتظر العرب حتى تشن أميركا حربا على العراق فالتزام الصمت والانتظار حتى تقع الكارثة أمر جد خطير لأنه أبعد من مجرد غزو أميركي لدولة عربية أما ماذا نحن فاعلون لو ضرب العراق؟ فهذا له حديث آخر!! ـ كاتب مصري

Email