إلى اللقاء ـ «الأستاذ» هيكل ـ بقلم: عماد الدين حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 2 شعبان 1423 هـ الموافق 8 أكتوبر 2002 قبل حوالي ست أو سبع سنوات استضاف رسام الكاريكاتير المصري رمسيس في برنامجه الرمضاني «يا تلفزيون يا..» الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل.. فكرة البرنامج كانت تقوم على محاورة الضيف حول الجانب الاخر غير المرئي من حياته بعيداً عن مهنته، وبين ما أتذكره مما قاله هيكل في ذلك اللقاء انه يلزم نفسه ببرنامج صارم في الحياة لا يحيد عنه، من قبيل انه يحرص على النوم في الحادية عشرة ليلا ويستيقظ قبل السادسة لممارسة الرياضة في نادي الجزيرة ولا يخلط بين العمل والمنزل رغم ان المسافة بين الاثنين هي ممر في العمارة التي يقطنها على النيل قرب منزل الرئيس الراحل انور السادات. المهم ان الذي جعلني اتذكر ذلك الحوار التلفزيوني الخفيف ليس فقط انه الأول تقريبا الذي يبثه التلفزيون المصري الرسمي لهيكل.. بل لأن «شلتنا» في ذلك الوقت بالقاهرة اجتمعت للتعليق على ما قاله هيكل، ودارت مناقشة طويلة جمعت بين الجد والتهريج، لكن اطرف ما فيها ان احد الاصدقاء بالشلة اتخذ قراراً حاسماً ـ ولا اعرف حتى الآن ان كان هذا القرار جاداً او هازلاً ـ بأن ينام كل ليلة في الحادية عشرة ويصحو في السادسة، لعل وعسى يتحول الى «هيكل صغير». وبالطبع وكما ان صديقنا لم يستطع المحافظة على النوم المبكر نظراً لنمط حياتنا الفوضوية في تلك الايام، فان قدراته المهنية ـ وكانت جيدة ـ لم تتغير هي الاخرى. اما الذي ظل ثابتا ايضا فهي نظرتنا نحن الصحفيين صغاراً وكباراً لقيمة هيكل او «الاستاذ» وهي الصفة التي يطلقها الجميع عليه، وهي صفة لو قيلت مجردة فانها لا تعني أحداً سواه.. هذا الرجل وبجهد استثنائي خرافي عصامي مضافا اليها موهبة خارقة وفي ظل ظروف موضوعية خاصة بمصر والمنطقة العربية منذ الأربعينيات وحتى الآن، استطاع ان يبلغ درجة من الرقي الفكري والتحليلي لم يبلغها احد في مجاله على ما اعتقد.. لم يفرق معه وجوده في قلب السلطة اثناء فترة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر او اوائل فترة السادات، كما لم يفرق معه وجوده على رأس مؤسسة «الاهرام» او خارجها. بل ربما كان العكس صحيحا فالتوهج الفكري والاحترام المجرد لم يبلغ ذراه الا بعدما تحرر من عبء السلطة. وهكذا اصبحت امنية غالبية الصحفيين ليس الوصول الى مستوى هيكل، بل اجراء حوار معه، اما غالبية السياسيين العرب فكان أول ما يفعلونه هو المرور على مكتب هيكل ليس فقط لمعرفة «اخر الاخبار» بل والاهم لكي يعرفوا الى أين تسير الامور. واذكر جيدا انني كدت اخسر صداقة شخص عزيز بسبب هيكل، والسبب انني وصديقي هذا وكان يعمل مصورا محترفا ذهبنا لتغطية ندوة في جمعية الاقتصاد السياسي والتشريع في القاهرة، وفجأة رأيت هيكل أمامي، وكانت تلك هي المرة الاولى التي أراه فيها، وبسرعة ذهبت الى الأستاذ طالبا التقاط صورة تذكارية معه، وبأريحية معروفة عنه وافق فوراً، وتقدم صديقي المصور والتقط الصورة، وظللت منتظرا يومين لكي احصل على هذه الصورة التي سأتباهى بها امام اصدقائي وزملائي وأهلي.. ثم جاء صديقي ليخبرني انه لا توجد صورة، بسبب عيوب في «النقطة السوداء» بالفيلم أو «ربما في المصور نفسه»!!.. حزنت كثيرا، و ظللت اشنع على صديقي في كل المنتديات واطلقت عليه لقب «توتالة» وهو لقب المصور «عبدالسلام النابلسي» في فيلم عبدالحليم حافظ الشهير «يوم من عمري»، عندما ذهب النابلسي لتصوير العروسة الجميلة زبيدة ثروت فالتقط بدلا منها صوراً للطائرة!! مرت الايام وبعد حوالي عام وكان ذلك على ما اعتقد عام 1989 رأيت الاستاذ مرة اخرى في ندوة بفندق هيلتون مازلت اذكر عنوانها حتى الآن «القطاع العام والخاص في مصر والبلدان العربية».. تكرر السيناريو نفسه لكن الاختلاف الوحيد كان تغير المصور، وهكذا اصبح لدي الآن ثلاث صور شخصية مختلفة الزوايا مع هيكل، مازالت تمثل بالنسبة لي اهم الصور في «الالبوم» الصحفي الخاص بي رغم ان به صوراً لرؤساء دول، لان بعض هؤلاء الرؤساء ببساطة كان يطلب هيكل ليسأله عما يحدث في المنطقة العربية!! وحتى لا يتهمني احد بتأليه هيكل «حاشا لله» او تحويله الى اسطورة، أسارع بالقول ان ما يقوله ويطرحه من افكار وآراء يحتمل الجدل والاختلاف، لكنه رغم كل شيء يظل ظاهرة فريدة واستثنائية، يزيد لمعانها ووهجها كل يوم رغم تقدم عمره خاصة كلما زادت أحوالنا العربية بؤساً. تحية محبة وتقدير الى الاستاذ، وكل أمنيتي ان يتحرك العرب لكي يناقشوا بجدية ما قاله منذ أيام للقناة الفضائية المصرية «دريم» بأننا صرنا ميدان رماية بالصدفة تخيف به أميركا القوى الدولية، حتى لا ندهس ونسحق فعلاً تحت أقدام هذه الوحوش الضارية!! emadiraqi@yahoo.com

Email