استراحة البيان ـ من عبده إلى مادونا مع التحية! ـ يكتبها اليوم: ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 28 رجب 1423 هـ الموافق 5 أكتوبر 2002 دعوني ابدأ الحكاية من هنا.. من فن الاعلان وتأثيره علينا ومحاولاته تغيير عاداتنا الشرانية، فقد قلق احد صانعي السجائر من منافسة صانع آخر في نفس الشارع فقام فورا باستخدام فتاة جميلة أجلسها في الفترينة وامرها بلف السجائر مما جعل الناس تحتشد خارج المحل لمشاهدة الفتاة، ففكر الثاني في وسيلة اخرى للدعاية والاعلان عن بضاعته فقام كصاحبه باستخدام فتاة شقراء جميلة أجلسها في الفترينة تلف السجائر، وظهرها إلى الشارع فانتقل الجمهور من خارج المحل إلى داخله لمشاهدة الفتاة. من هنا تبدأ الفطنة واللعبة الاعلانية، فالافكار كما يقال كالحجارة المهملة على قارعة الطريق تريد من ينتشلها ويلمعها ويضفي لها روحا لتنتعش وتحيا، فكم هي الافكار التي نراها عادية فنهملها ويراها آخرون مهمة فيطوعونها لتصبح ذات قيمة واهمية فتدر على اصحابها اموالا من حيث لا يحتسبون. وحتى لا أدخل من باب الربح والخسارة اشير إلى ان بعض الهوايات والممارسات والعادات اليومية تظل حبيسة في الانسان لا يستطيع الخلاص منها وتركها متى ما اراد وكيفما شاء. ومن تلك العادات التي مازالت تتواصل معي شخصيا ومع غيري كثيرا عادة متابعة الاعلانات ومطالعتها بشكل دقيق والبحث عن جديد الاسواق واكتشاف أسرار وغرائب الناس من خلال هذا الفن المثير. وفي الوقت الذي تخصص فيه الشركات والمؤسسات وبيوت الموضة والعطور ميزانيات خاصة لمسائل الاعلان وقضاياه، وتصمم حملات ترويجية لطرح منتجاتها المختلفة، نجد ان الشركات الصغيرة والمحلات الهلامية ذات الامكانات المالية المحدودة تضع رجلا في الجنة واخرى في النار فهي تريد جنة المردود الاعلاني وبشكل فوري وتخاف نار الاسعار. لهذا ترمي تلك الشركات باعلاناتها كيفما اتفق «وحسب المايه» كما يقول عامة الناس، وكثيرا ما تنجح في غايتها ومسعاها لأن امثالي من اصحاب هواية البحث عن الاعلانات مهما صغرت كثيرون «وعلى قفا من يشيل». وقبل ان امضي سريعا في استعراض وقراءة نماذج حية وصادقة عن تفاصيل هذا الفن، اقف اجباريا معكم عند محطة من المحطات الطريفة، فقد ذكر الاستاذ منذر الاسعد في كتاب له بعنوان طرائف الاخطاء الصحفية والمطبعية، ان ثريا اميركيا اصيب بانهيار عصبي، فعولج في مستشفى للامراض العقلية والنفسية، وشفي بعد ستة اشهر، وحصل كالمعتاد في مثل هذه الحالات على شهادة من المستشفى تفيد انه سليم صحيح العقل. وعقب شهرين من شفاء الرجل بدأت الحملات الانتخابية لعضوية الكونغرس، ورشح الثري نفسه لعضوية مجلس النواب، وكان مبرمجو حملته الانتخابية يخشون من ان يكشف خصومه لجمهور الناخبين عن حكاية مرضه العقلي، فخططوا لتحويل نقطة الضعف هذه إلى مصدر قوة، ومن هنا فقد ذهل الناس وهم يطالعون دعايات الثري الانتخابية في الصحف والمجلات والتلفزيونات وبواسطة الملصقات، وهي لا تحمل سوى صورته مع عبارة واحدة تقول: «انتخبوا المرشح الوحيد الذي يحمل شهادة بأنه ليس مجنوناً»! وبعيدا عن تكنيك الاعلان وفنه وحملاته أدعوكم ولو مرة واحدة فقط ان تمارسوا قراءة الصفحات الاعلانية ولوحات النيون الخارجية لتكتشفوا عالما غريبا يضج بالمسميات المتناقضة والاعلانات المثيرة، ففي صفحات الاعلانات المبوبة وتحت مسمى «متفرقات» تجد أحدهم يطلب مئة الف درهم للاستثمار في مشروع ذي عائد جيد، هكذا بكل بساطة من الباب للطاق كما يقول اخواننا في مصر نضع في ايدي صاحبنا المئة ألف درهم ويا صابت يا خابت! آخر يعلن عن استعداده التام من الآن لاعطاء دروس خصوصية في جميع المواد للمتقدمين لامتحانات الشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والادبي على سمع وعين الوزارة التي تحارب الظاهرة بشراسة! إعلان آخر مثير عن كناري للبيع مع شهادة تغريد لغاية 134 درجة صوتية، فما عليك سوى ان تحدد الدرجة التي تريدها لتستمع لمعزوفة الكناري الرائعة، وبذلك تلغي عبدالله رويشد وعبدالمجيد ومحمد عبده واحلام ونبيل شعيل! ومثلما تكثر اعلانات السيارات المستعملة او المعروضة للبيع بأنواعها المختلفة، يكبر تجمل اصحابها للترويج عن بضاعتهم، فيدون احدهم في اعلانه ملاحظة تقول: ان السيارة المعروضة للبيع استخدام سيدة، في اشارة طبعا إلى انها اي السيارة لم تتعرض للتشفيط فهي ناعمة ومحافظ عليها كصاحبتها وهذه تحسب للسيدات دائما. واذا ما تركنا الصفحات الاعلانية واتجهنا إلى اللوحات المرفوعة نرى عجباً، فهذا كراج «ون وي» الذاهب اليه يبدو انه لن يعود ابدا إلا اذا حدثت معجزة، وذاك صالون قحطه للحلاقة، وبين هذا وذاك تطالعنا لافتات تحمل اسماء نجوم الكرة والفن والمشاهير، فمن كافيتريا الطلياني مرورا بصالون باجيو وصولا إلى حلاق مارادونا تبرز لافتات اخرى تحمل اسماء الليدي ديانا ومادونا وصوفيا مارسو. لم يتبق الا ان نقول انه زمن اللافتات من الفن إلى السياسة من محمد عبده إلى مادونا مع التحية.. ولا ندري هل نفتح الشباك أم نغلقه؟!

Email