استراحة البيان ـ لو لم تكن «الجزيرة» ! ـ يكتبها اليوم: قاسم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 في أيام الاجازة يكون المرء أقل انشغالاً بأمور الحياة اليومية، لذا يتفرغ اكثر لمتابعة وسائل الاعلام، بمختلف انواعها، وبالذات الفضائيات المسيطرة على باقي وسائل الاعلام، فهي تدخل كل بيت دون استئذان وتستأثر اهتمام كل فرد، لأنها تخاطب كل عقل وفكر وتلبي رغبات مختلف الأذواق. ولأنها هكذا فهي معرضة للنقد والانتقاد ولولا انتقاد الناس ما نجحنا في كثير من اعمالنا. وأثناء فترة الاجازة، تابعت عددا من البرامج على القنوات الفضائية العربية وغيرها، ومن خلال متابعتي استطيع القول بأننا كشعوب عربية لم نكن نرى ونشاهد خلال المرحلة الماضية الا برامج التسلية والترفيه. وهذا ليس عيباً فهناك قنوات متخصصة في هذا المجال في جميع انحاء العالم. لكن في الفترة الأخيرة ظهرت قنوات جادة ترقى بمستوى المشاهد أسلوبا وفكرا وتقدم برامج سياسية جريئة لم نعتد عليها فيما مضى، اذ كانت الشعارات السائدة انذاك هي التطبيل والتزمير لسياسة معينة ولا وجود للرأي الاخر، وعليكم عدم تجاوز الخطوط الحمراء!!! لذا نجد حتى الآن ان بعض الدول عندما تمتدح بعض القنوات سياساتها، فهي تهلل وعندما تنتقدها فهي تقيم الدنيا ولا تقعدها ويصل الأمر الى حد قطع العلاقة مع الدول التي تتبعها القناة، مع ان ما يطرح في مثل هذه البرامج يمثل رأيين (مع وضد) وتصل محاولات المدافع عن سياسة حكومته في بعض الاحيان الى حد الانفعال والتشنج!! ونحن نتساءل لم كل هذا؟! بالتأكيد لأننا تعودنا كشعوب عربية ألا نسمع إلا صوتا واحداً هو صوت الحكومات وهي تمتدح نفسها، والشعوب وهي تصدقها!! لأننا لم نتعود على سماع رأي آخر مخالف حتى ولو كان على حق!! ان الشعوب العربية لم تكن على اطلاع بمجريات الأمور في العالم لأن وسائلنا الاعلامية والمرئية منها بالذات كانت مجرد ديكور، تنقل واقعنا العربي وكأنه نموذج يحتذى به، وليس هناك افضل منه!! اما الآن مع بروز بعض الفضائيات التي تنقل لنا باطلالتها الحضارية جزءا من حقيقتنا وواقعنا المر، كقناة «الجزيرة»، التي فتحت نافذة جريئة في العالم العربي للعقول العربية ووجدت لنفسها طريقا مختلفا عما يقدمه الآخرون، تهز بمواضيعها الجريئة مشاعر الشعوب قبل الحكومات حتى لو اختلف معها البعض في وجهات النظر وفيما يطرح من خلالها، إلا انها تحترم الرأي والرأي الآخر، واعطت دفعة لبعض القنوات للعب دور اكثر فاعلية مع قضايانا الوطنية العربية والاسلامية. ان ظهور بعض الفضائيات العربية الجادة مثل «الجزيرة» و«أبوظبي» الفضائية و«ANN» و«المنار» وارتباطها بقضايا امتنا العربية والاسلامية من خلال طرحها لموضوعات تناقش اراء وأفكارا مختلفة لدليل على اننا مقبلون على مشاهدة قنوات متخصصة لها القدرة على تناول ما يهم واقعنا العربي بصراحة وجرأة.. ولو لم تكن «الجزيرة» التي تصب بعض الدول جام غضبها عليها عندما تتطرق لموضوع حساس لكان من الصعب علينا ان نتعرف على ما يجري في اراضينا المحتلة في فلسطين حتى لو كان ذلك يجبرنا على مشاهدة صور مجرم الحرب شارون والاستماع الى ارائه وأهدافه الاستيطانية ومعرفة سياسته الاجرامية. فلو لم تكن «الجزيرة» فبكل تأكيد كنا سنشاهد عكس الحقيقة! والسؤال الآن هو أين هي الفضائيات ذات التاريخ العريق في زمن سيطرت عليه المؤسسات الاعلامية؟! ومتى يا ترى سنرى قناة فضائية تنطق باللغة الاجنبية وتعبر عن وجهات نظر المواطن العربي بكل صدق وصراحة هو الآخر سؤال أوجهه مرة اخرى الى رجال الأعمال العرب.. متى؟!

Email