جغرافية المصالح والأيديولوجيا بين واشنطن وطهران

ثمة من يعتقد في طهران ان السبب الرئيسي وراء حملة الرئيس الأمريكي الأخيرة ضد ايران و«حشرها» في محور يضم العراق وكوريا الشمالية على الرغم من موقفها المعتدل تجاه الحملة ضد الطالبان، والقاعدة غداة تشكل الائتلاف الدولي ضد الارهاب، إنما يكمن في بقاء حملة الادارة الأمريكية ضد الطالبان والقاعدة منقوصة ما لم تتخلص هذه الادارة مما تسميه بـ «النفوذ الايراني» في أفغانستان، لا سيما وان الحملة الأمريكية لم تتمكن من القبض على زعيم القاعدة ابن لادن ولا على زعيم الطالبان الملا محمد عمر، الأمر الذي يجعل انتصارها في أفغانستان محل جدل ومنازعة وتحد إلى ما لا نهاية من الاحتمالات. فالذين يقرأون بعمق الأسباب الحقيقية التي دفعت الولايات المتحدة لإعلان حرب شاملة على أفغانستان يعرفون تماماً أن الهدف من وراء تلك الحملة لم يكن فقط القضاء على ابن لادن والملا عمر وشبكتيهما القاعدة والطالبان، بل ان من بين أهدافها الأخرى أيضاً هو ما يلي: أولاً: ان تتمكن أمريكا من التحكم بمقدرات النفط والغاز والمعادن الثمينة الأخرى مثل اليورانيوم وغيرها والتي تزخر بها دول آسيا المركزية أو الوسطى، والقوقاز وان يصبح بحر الخزر «قزوين» بحراً أمريكياً كما هو حال المياه الدافئة في الجنوب، أو كحد أدنى ان تصبح فيه واشنطن شريكاً أساسيا لتقاسم النفوذ عليه مع كل من موسكو وطهران. ثانياً: ان تتمكن أمريكا من تجميد حركة الفارس الايراني المسلم الطموح والمتطلع لمجموعة من ائتلاف القوة مع مراكز النفوذ والقدرة والاقتدار الاقليمي والدولي المنتشرة في الشرق الأدنى الآسيوي وأورا آسيا. ثالثاً: ان تتمكن أمريكا من افشال أي تواصل اقليمي بين الصين وايران وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية في اطار مشروع أو مشاريع احياء طريق الحرير التاريخي التجارية والاقتصادية والتي تمتد من شنجهاي على البحر الأصفر إلى جدة على البحر الأحمر. رابعاً: ان تتمكن أمريكا من تعطيل دور مراكز القوة والاسناد والدعم الاسلامية والعربية لفلسطين في اطار خطة التحالف والشراكة الاستراتيجية التي تربطها مع اسرائيل وذلك من أجل عزل المناضل والمفاوض الفلسطيني على حد سواء من محيطه العربي والاسلامي حتى يسهل السيطرة على المارد الفلسطيني الذي شكل نوعاً من توازن الرعب الفريد من نوعه في تاريخ كفاحه الطويل مما جعله اشبه بمن يقاتل في ربع الساعة الأخير من الصراع. من هنا يصبح التركيز على ايران اعلامياً وتصعيد الموقف السياسي ضدها في المرحلة الثانية من حرب امريكا على الارهاب مفهوماً لا سيما إذا وضع في سياق التركيز الاسرائيلي على الربط المستمر بين كل ما يحصل في فلسطين ومن حولها وبين إيران الدولة الإسلامية المتطرفة، ابتداءً من موضع السفينة «كارينA» مروراً بموضوع آلاف الصواريخ التي يقول عنها بيريز انها مكدسة بأيدي حزب الله بلبنان والموجهة إلى العمق الاسرائيلي وصولاً إلى موضوع اتهامها بإرسال عناصر من الحرس الثوري إلى لبنان بهدف تصدير «الارهاب» ناهيك عن «الخلط المقصود» والمتعمد في التقارير التي تتحدث مرة عن ان عدداً من قادة القاعدة باتوا في ايران، ومرة أخرى بأنهم باتوا في لبنان تحت حماية حزب الله!! إذن فإن أهداف واشنطن «الأمريكية» من وراء تصعيد حملتها مؤخراً ضد إيران إنما تتمثل في «اخراج» إيران من أفغانستان واضعافها في معادلة القوة والنفوذ في بحر الخزر وأما أهدافها الاسرائيلية فهي تتمثل في قطع نفوذها وامتداداتها الشرق أوسطية في لبنان ومنعها من الحصول على «موطئ قدم» في فلسطين كما يلخص شيمون بيريز وزير «تلميع» المشروع الشاروني الأمني. لكن ثمة من يعتقد هنا أيضاً ان أمريكا التي تعرف أكثر من غيرها أن أي عدوان ستقوم به ضد ايران سيكلفها غالياً جداً وهي التي تعرف هذا البلد جيدا، وتعرف تماماً بأن أي عمل حربي ضد ايران سيوحد السبعين مليون ايراني بكل اتجاهاتهم خلف قيادة واحدة وانها خاسرة في مثل هكذا معركة حتى قبل ان تطلق رصاصة واحدة، إنما رفعت سقف التراشق الاعلامي إلى أعلاه ضد ايران حتى تكسب امرين من وراء ذلك: الأول وهو تعبيد الطريق بشكل نهائي بين كابول وبغداد في مقدمة للزحف على العاصمة العراقية في الوقت المناسب بأقل الجهد وأقل المعارضة من جانب القوى الاقليمية الرئيسية والتي من بينها ايران بالطبع. والثاني هو تشتيت جبهة المساندة والدعم الاسلامية والعربية لفلسطين وتعطيل أي دور محتمل لها في لحظة الاجهاز على الانتفاضة بل وفرض اجواء تسهل طلاق العرب لها غداة انعقاد مؤتمر القمة المقبل تحت ضغط اغراءات شكل من أشكال الكيانية الفلسطينية المقترحة من الادارة الأمريكية يكون سقفها أقل حتى من سقف مقترحات كامب ديفيد الثانية. على أية حال فإن طهران وأياً كانت تطورات الأحداث وسير تحولها المستقبلي فإنها مصممة على التمسك بمبدأيتها في أمرين أساسيين: أولاً: ان لا مساومة مع أمريكا على كل ما من شأنه ان يشكل مساسا في أمنها القومي سواء اسمه التعامل مع ظاهرة أو ملف القاعدة والطالبان أو مستقبل أفغانستان أو منابع الطاقة في بحر الخزر أو شكل النظام السياسي الحاكم، فإنها لن تقبل املاءات أو تدخلاً من واشنطن بها بتاتا. ثانياً: ان لا تراجع عن موقفها تجاه عدم الاعتراف بالكيان المصطنع الذي اسمه اسرائيل واستمرار الدعم للقضية الفلسطينية وحزب الله اللبناني أياً كانت الظروف. وان طهران تعرف بالمناسبة جيداً بأن الأمريكيين والاسرائيليين انما يريدون مساومتهم على القضية الفلسطينية وتوابعها مقابل اجراء «مصالحة» ما معها، لكنها تعرف أيضاً كما يقول مطلع على مطبخ صناعة القرار : بأن الخصم المشترك لنا نحن العرب والمسلمين اليوم وفي الوقت الذي يفاوضنا فرادى إنما يريد ذبحنا جميعاً. ـ كاتب ومحلل سياسي إيراني