الي اللقاء، أولاد العلقمى، بقلم: أحمد الكناني

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما استمعت الى بعض الساسة العرب وهم يحرضون على ضرب عرب آخرين، في ظل الحقبة السبتمبرية، قفزت الى ذهني صورة ابن العلقمى. هذا الوزير العباسي، الذي طمع في كرسي الخلافة، ومن أجله خان قومه وتحالف مع هولاكو، فلم ينل الكرسي، ولم يصل الى الخلافة، وجر على العرب والمسلمين مذابح لا أول لها ولا آخر، وكلفهم حمامات دم ضاقت عنها ضفاف دجلة والفرات. بعض ساسة العرب هذه الايام لا يزال يلعب هذا الدور، وهو ينسى ما جرى لابن العلقمى، وما جرى لكل الذين مشوا نفس طريقه، ولاقوا نفس مصيره، فالصالح اسماعيل الذي تحالف مع الصليبيين مات مقتولاً بسيف الصالح أيوب، والوزير شاور الذي تحالف مع الصليبيين ايضاً لم ينج من سيف صلاح الدين. وعندما تقدم التاريخ أكثر عرفنا اسم الجنرال يعقوب عميلاً متحالفاً مع الحملة الفرنسية، فنهب أموال أبناء جلدته من المصريين، وقتل منهم الكثير تحت حماية جنود بونابرت، وحينما رحلت الحملة الفرنسية عن مصر لم يكن امامه سوى الخروج معها، وعلى متن احدى سفنها مات بالحمى فعبأه الفرنسيون في برميل وألقوا به في عرض البحر ليستقر في القاع. وهكذا لم يحقق شيئاً سوى ان التاريخ سجل خيانته، ولا يزال حتى اليوم من أشهر الخونة في تاريخ مصر الحديث، ولا يسبقه في هذا الا الخديوي توفيق ـ الذي جاء بعده ـ عندما استعان بالانجليز ضد ثورة احمد عرابي فذهب هو وبقي الانجليز في مصر لمدة 72 عاماً. ولأن أمثال ابن العلقمى موجودون في كل عصر وزمان فقد سقط في المستنقع ذاته سعد حداد ومن بعده أنطوان لحد والجيش العميل، بينما كان حزب الله يقود المقاومة الباسلة في الجنوب اللبناني حتى حرره، تماماً كما كان الحال بين حكومة الجنرال فيشي التي تعاونت مع المحتلين الألمان، فيما كان الجنرال ديجول يحارب دفاعاً عن شرف فرنسا حتى انتصر، وذهب فيشي وبقيت فرنسا، وظل اسم ديجول خالداً. ومثلما يحفل التاريخ بأسماء الخونة، فإنه يزدحم بأسماء الأبطال... الأولون تطاردهم اللعنات، مثلما لعن أهل بغداد ابن العلقمى، ولعنوا أيضاً من لم يلعنه، والآخرون تخلد أسماؤهم وذكراهم على قدر ما قدموا من تضحيات وما نزفوا من دماء، فمن منا لا يدين بالفضل لخالد بن الوليد او لسعد بن أبي وقاص، ومن منا لا يعرف مكانة طارق بن زياد وعقبة بن نافع، ومن منا يستطيع ان ينسى هارون الرشيد أو المعتصم، ومن منا لا يتمنى ان يكون هو أو يكون ابنه مثل صلاح الدين او سيف الدين قطز او الظاهر بيبرس، ومن لا يحلم بأن تلد العروبة رجالاً مثل: عبدالقادر الجزائري وأحمد عرابي وعمر المختار ومصطفى كامل ويوسف العظمة وسعد زغلول وجمال عبدالناصر. مطلوب من اي سياسي عربي ان يقلب كثيراً في كتب التاريخ قبل ان يحرض على ضرب اي دولة اخرى تتكلم العربية مثله ايضاً، ثم يختار في اي موقع يكون، هل يكون مع ابن العلقمى ام يكون مع صلاح الدين؟ فطريق ابن العلقمى أوله أوهام ونهايته فضائح وأشواك تنهش بلا رحمة أو استثناء. ونتمنى من الجميع ان يكونوا في معسكر صلاح الدين او يتشبهوا به على الأقل فيلتزموا الصمت الحميد فهو أفضل من التحريض، أما اذا اختاروا السير في الطريق الآخر فلن تكون أمامهم سوى نهاية ابن العلقمى ودعوة أهل بغداد عليه أو عليهم «اللهم العن من لم يلعن ابن العلقمى».. قولوا آمين.

Email