عبده الانجليزي والادارة الأمريكية! _ بقلم: محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما اجتاح الجيش العراقي القوي أراضي الكويت وقام باحتلالها والاطاحة بحكومتها, كنت حينئذ في لندن وكنت أكتب زاوية يومية بجريدة (الشرق الأوسط), ولكنني بادرت الى الاستقالة وانضممت متحمسا الى جريدة (صوت الكويت) التى أصدرتها حكومة الكويت في المنفى وعهدت برئاسة تحريرها الى الدكتور محمد الرميحي, ويذكر العبد لله أنني أبليت بلاء حسنا ضد العدوان العراقي, ويشهد الكويتيون أنفسهم بهذا الدور المتواضع الذي قمت به, مع أنني طردت من الكويت قبل 14 عاما من الغزو بقرار سياسي, واضطررت الى اللجوء للعراق التي استقبلتني على الرحب والسعة, وتمكنت من الحاق أبنائي بالمدارس والجامعات العراقية, وبالرغم من التصرفات الصغيرة من بعض صغار الموظفين وصغار الحزبيين إلا أنني أقمت سبع سنوات كاملة في بغداد قبل أن أتركها وأعود الى القاهرة. وما زلت أحتفظ في نفسي بذكريات غالية كما أعترف بفضل كبار المسئولين في الحزب وفي الحكومة وعلى رأسهم الرئيس صدام حسين, والذي مسح من نفسي كل أثر لممارسات طارق عزيز السيئة. ولذلك كانت دهشة الكثيرين لموقفي من الغزو العراقي للكويت, لأن البعض تصور أن اللحظة قد حانت للانتقام من الكويت بعد طردي من أراضيها بلا أي سبب. وكان أكثر الناس دهشة هو السيد الأرزقي رئيس حزب الكهرباء ولجنته المركزية, فقد كانوا حتى تلك اللحظة يحصلون على رزقهم من بغداد, والغريب أنهم سارعوا بتغيير ولائهم بعد هزيمة العراق وانضموا الى أعدائه بصراحة وبدون حياء, وكان هذا الموقف المخزي ترجمة لشعار الحزب (الدنيا مصالح ومنافع وأرزاق) بعكس موقف العبد لله الذي اتخذته لإيماني بأن جيش العراق القوي سيكون يد العرب, وأن تحركه نحو الحدود السورية الإسرائيلية أو الحدود الأردنية الاسرائيلية. وما زلت مؤمنا بأنه لو تحرك نحو تلك الحدود قبل الحرب الايرانية لتمكن من بتر ذراع اسرائيل أو كسر رجلها أو تحطيم عمودها الفقري. وحتى لو كانت أمريكا تدخلت في الحرب وهزمت جيش العراق القوي, فقد كان من حق صدام حسين أن يصبح بطلاً.. ولكن الجيش القوي تحرك للأسف الشديد قاصدا طهران وعندما تحرك للمرة الثانية كانت وجهته الى الكويت, وهو الأمر الذي يخالف تماما ما يؤمن به شعب العراق وهو أننا أمة واحدة ذات رسالة خالدة! وهكذا كان موقفي من الحرب العراقية الكويتية. وسأسلك نفس الطريق لو تكرر العدوان مرة أخرى. ولكن الآن المسائل تختلف.. العراق أخطأ نعم. وعوقب نعم وألف نعم. ولكن ليس من المعقول أن يبقى شعب العراق لمدة عشر سنوات على سطح صفيح ساخن, وحرام محاولة أمريكا بعد مرور عشر سنوات إحياء الحلف ضد العراق, وألف مليون حرام أن تقوم الطائرات الأمريكية والبريطانية بقصف بغداد عقابا لها على جريمة ارتكبتها منذ عشر سنوات وعوقبت عليها بما فيه الكفاية, ولا أعتقد أن هناك أحدا يمكنه الموافقة على هذا العمل حتى ولا شعب الكويت نفسه. ثم اذا كان هذا هو موقف الادارة الأمريكية من عدوان عراقي حدث على الكو يت مرة واحدة منذ عشر سنوات ثم انتهى الأمر بتحطيمه, فما هو موقف الادارة الأمريكية من العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني؟ وهو عدوان يقع كل يوم, ويموت فيه عشرات الشبان كل يوم. لا يملكون من الأسلحة إلا بعض قطع الحجارة في مواجهة جيش مسلح بكل ما في الترسانة الحربية من أحدث الأصناف. وهل في رأي الادارة الأمريكية أن العدوان العراقي عيب ويجب مواجهته بأثر رجعي, بينما ترى أن العدوان الاسرائيلي حلو وظريف ودمه خفيف؟ يذكرني موقف أمريكا بالفتوة عبده الانجليزي فتوة شارع سعد بالجيزة. عندما قام محمود الحكيم وهو فتوة همبكة بالاعتداء على الواد ريعو جرسون قهوة عوف, وكان الجرسون ولد غلبان وصاحب عيال, وقام عبده الانجليزي بضرب محمود الحكيم علقة ظل بعدها يزحف على قدميه كالدودة ولمدة شهر كامل.. وصفق الناس للفتوة عبده الانجليزي لشهامته ولغيرته على حقوق الضعفاء والمساكين ولكن الفتو ة عبده الانجليزي لم يتوقف عن ضرب محمود الحكيم كلما أزعجه خبر أو ضايقه عمل ما, حتى أنه قام بضرب محمود الحكيم علقة موت عندما اضطرت زوجة الانجليزي الى هجر بيت الزوجية بسبب سلوك الفتوة ومعاملته السيئة لها. وعندما ضاق الناس بسلوك عبده الانجليزي وشجبوا عدوانه الذي ليس له مبرر على محمود الحكيم, رد عليهم الفتوة قائلا: مش هوه.. اللي ضرب الواد الغلبان ريعو زمان؟ أيوه ضرب ريعو زمان وخد حقه, لكن إيه اللي جد دلوقت؟ مافيش حاجة جدت, لكن هوه لازم ينضرب وخلاص! ويبدو أن هذا هو منطق الفتوات من أمثال عبده الانجليزي. ولكن العبد لله يذكر أمريكا, أين امبراطورية البريطانيين؟ أين امبراطورية الأتراك؟ أين الاتحاد السوفييتي؟ وعمنا المتنبي يقول: من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق والامبراطوريات أيضا تموت وتدفن في التراب, وكلما أمعنت في الظلم اقتربت نهايتها, وهذا هو حكم التاريخ وحكم السماء!

Email