إلى اللقاء ، اللعبة الإعلامية، بقلم: خالد درويش

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عصر أصبحت المعلومة فيه متوفرة ومتاحة للجميع, وضعتها وسائل التكنولوجيا في متناول اليد وهيأت من أجل نشرها قنوات الاتصال المختلفة , ظلت المعرفة في البلاد العربية رهينة في بطون الكتب رغم امتلاكها أحدث، الصرعات في مجال التقنية وأدوات الاتصال الجماهيري الكفيلة بتحرير كافة المعوقات ومواجهة جميع التحديات إلا أنها استخدمت بعكس الغرض الذي استقدمت من أجله. ولعل أبرز ما يدعونا إلى انتقاده في وسائل الإعلام العربية المادة المذاعة والمرئية التي تبث عبر أثير إذاعاتنا ومحطات قنواتنا الفضائية والتي همشت في طياتها الثقافة بكل أبعادها ومعالمها من هوية المواطن العربي وخلقت منه جيلا سطحيا يتعامل مع واقعه بمخرجات المؤسسة الإعلامية المحكومة بهيمنة الغرب لا بعبقرية الحضارة المعرفية والحس الفكري والوعي الثقافي. وإذا كنا نسير على خطى التحديث والعولمة فمن الأجدر مواكبة هذه الصناعة النامية بإرساء ركائز التطوير لا على مستوى الأجهزة وتقنيات الحاسوب فحسب بل في تأسيس بنية فكرية متطورة تستشف رؤى المستقبل وتعد من أجل بلوغه وعيا ثقافيا عاليا على مستوى كافة الأفراد وفي مجالات الحياة المختلفة ولغة قومية واحدة في مواجهة جميع التحديات. فاللعبة الإعلامية التي يتخذها الغرب وسيلة للـتأثير على الشعوب والمؤسسات الإعلامية العربية تحت شعار العولمة ومسوغات التقدم قد حققت مسعاها في جر المتلقي العربي من غور الثقافة إلى قمة السطحية , ومن الرغبة في الإبداع النوعي إلى الصيغة المبتذلة في التعاطي مع التجديد والمتغيرات. ومما لا شك فيه أن مجالات الحياة جميعها تعتمد بشكل رئيسي على الوعي الثقافي ومنه يتولد الإحساس بالمسئولية والمقدرة على التعامل مع مختلف الظروف والمستجدات , وهو ما يفتقده السائق في البلاد العربية من ثقافة مرورية تمليه الالتزام بقواعد السير وأنظمة المرور تماما كحال المشاة في عبور الطرقات من غير أماكنها , والتجمهر حول الحوادث , والكتابة على العملات النقدية , والقفز من على أسوار الحدائق العامة وترك عربات البضائع في مواقف السيارات والاستلقاء على المسطحات الخضراء في الطرق وإتلاف المرافق العامة , والتي تعد انعكاسا واضحا للهبوط الذوقي والاضمحلال المعرفي الذي روجت له وسائلنا الإعلامية وكرسته منهجا تقوم عليه سائر الالتزامات المعيشية. إن قيمة تقنيات الاتصال التي ساهمت بشكل كبير في نشر المعرفة بوجهيها السلبي والإيجابي وأتاحت تداولها للجميع مشروط بأن تتحرك المجتمعات لاستثمار هذه المعلومة المتيسرة من أجل مصلحتها الذاتية , لا من أجل الخضوع لمصادر المعلومات فتتحول إلى مجرد مستهلك غير واع للمادة المقدمة أمامها بيسر وسهولة. فالمعلومة الميسرة تغري وتجذب ولا بأس من هذا الإغراء إذا علمنا وكشفنا حقائقه وأسراره ومنعنا تحكمه فينا وقد يتحول إلى علم نافع إن نحن أتقنا اللعبة ولعبناها بقواعدها السليمة وشروطها الصحيحة نحو دفع عجلة التقدم والنمو والارتقاء بحصيلة الوعي إلى مستوى الطموح.

Email