انتخابات الرئاسة الأمريكية رهينة للوبي اليهودي _ بقلم: عبد الكريم محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يجري التطرق للانتخابات الرئاسية الأمريكية, والدور الفاعل لمجموعة القوى المسيطرة, أو ما تسمى بقوى الضغط, التي غالباً ما يحاول البعض التبسيط أو التقليل من دورها وتأثيرها الكبير على فوز هذا المرشح أو ذاك. ولعل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يمتلك الكثير من أوراق الضغط حتى في انتقاء المرشح على مستوى الحزب الواحد. فعلى سبيل المثال لا الحصر, إن اللوبي اليهودي يمتلك خبرات وآليات كبيرة في ابتداع الكثير من الطرق والوسائل والتكتيكات, التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كلا الحزبين الكبيرين, إن كان على مستوى الولايات كل على حده, أو على مستوى الولايات بشكل عام. وقد تكون تجربة جورج بوش الأب لا تزال حاضرة, عندما رأى اللوبي أن كل ما يقوم به ضد مصلحة إسرائيل, واتهم في العام 1992 بأنه قريب من العرب حسب اعتقادهم, وقد ترافق هذا الاعتقاد مع موقف الرئيس الأسبق بوش في منع تقديم المساعدات لإسرائيل كوسيلة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق شامير, للقبول بمؤتمر مدريد الذي أدخل الفلسطينيين مرة ثانية إلى الساحة السياسية الدولية. وقد عبر عن هذا الموقف بكل وضوح المعلق اليهودي المشهور (ابراهام روزنتال) إلى أن (جورج بوش مسئول عن الميلاد السياسي الثاني لياسر عرفات, وأن عودة عرفات تعني عدم قدرة إسرائيل على التوصل إلى حل بمساعدة من الشعب الفلسطيني الذي يقع تحت سيطرتها ). ولهذا السبب وغيره حاول اللوبي تقديم رجل الأعمال المشهور روس بيرو, في مواجهة بوش الأب, في انتخابات عام ,1992 والذي حصل على 19% من أصوات الناخبين, وهذه الأصوات جاءت على حساب جمهور الناخبين من الحزب الجمهوري, ناهيك عن ما حصل من استخدام أصوات الناخبين اليهود ومن يلوذ بهم. وهذا التدخل بحد ذاته أفضى إلى فوز كلينتون بالرئاسة وحصوله على أكثر من 38% من أصوات الناخبين. ولهذا السبب بالذات بل زد على ذلك أن هذا اللوبي يمتلك مساحة واسعة في ترشيح وانجاح أعضاء الكونجرس والبرلمان الأمريكي, حتى وصل الأمر بعضو الكونجرس الأسود جورج كروكيت, بالقول: (كم كنت أتمنى أن يكون السود الأمريكيون في مثل ذلك المستوى من التأهب للعمل). كما وصف عضو الكونجرس الأسود ميرفن دايمالي (أيباك) بأنها: (قطعاً أكثر مؤسسات الضغط أثراً وأن قيادة اللجنة تتصدى لأي نقد لسياسة إسرائيل.. والواقع لو أنني كنت عضواً في الكنيست لتوفرت لي حرية نقد إسرائيل أكثر مما تتوفر لي الآن كعضو في الكونجرس). وهنا ما أردت استحضاره من بعض النماذج من التصريحات, لكي أبين أن اللوبي اليهودي, ومن خلال لغة الأرقام, هو فعلاً الأقدر على انتقاء أو إنجاح المرشحين للرئاسة أو للكونجرس أو للبرلمان. فعلى سبيل المثال, ومن خلال القناعة بأن تمويل اليهود وأصواتهم يغيران النتيجة مباشرة في أي انتخابات, فمن مجموع 31 مرشحاً لمجلس الشيوخ أرادت ناتباك (وهي أهم لجنة عمل سياسي موالية لإسرائيل ) مساعدتهم سنة ,1982 فاز 28 مرشحاً. أما في مجلس النواب, فإنها نجّحت من 57 حالة من مجموع 73 حالة. أما فيما يتعلق بكيفية إنجاح المرشحين الرئاسيين من قبل جماعات الضغط اليهودية, ومنظماتها, خاصة ايباك, فهي تعمل على المساهمة في الحملات الانتخابية, من خلال الالتفاف على القوانين الناظمة لعملية التبرعات ودعم المرشحين. فمثلاً هذه المنظمة المذكورة (ايباك), منظمة رسمية ومرخصة بموجب القوانين الأمريكية, كجماعة ضغط, ولا يسمح القانون لها بجمع التبرعات والهبات من أجل المساهمة في تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية, شأنها في ذلك شأن جميع المنظمات الخيرية الغير حكومية, المعفاة من الضريبة. مثلها مثل بقية المنظمات اليهودية الأخرى, المحكومة بذات القوانين. إلا أن التمويل يتم من خلال دفع رجال أعمال يهود, أو مؤسسات يتم إنشاؤها قبل الشروع في بدء الانتخابات, وهذه اللجان يطلق عليها, لجنة العمل السياسي (باك), وهي غير ايباك, وباك هي لجنة ترعاها شركة أو منظمة نقابية أو جمعية أو أية مجموعة من الأشخاص, تتلقى المساهمات المالية, بالإضافة إلى قيامها بالإنفاق في ميدان الانتخابات الاتحادية, بما يتجاوز ألف دولار أمريكي سنوياً للشخص الواحد. لكنها هذه اللجنة أيضاً, تعمل على التهرب من القيود والقوانين الناظمة للعملية الانتخابية, وكيفية تمويلها, كما غيرها من المنظمات الداعمة أو المساهمة. فمع أن باك لا تستطيع أن تتبرع لمرشح ما إلا بمبلغ محدد (خمسة آلاف دولار), فان شيئاً لا يمنع من تأسيس العدد المرغوب فيه من هذه الهيئات, أو ما تتوافر القدرة على تأسيسه منها. أي بكلام آخر يمكن أن يتم التبرع أو المساهمة والدعم من كتلة كبيرة من المؤسسات المستحدثة, ومن خلال جملة من المسميات, لهذا الغرض الانتخابي. كما يمكن أن يتبرع الشخص الواحد لباك بخمسة آلاف دولار وأن يتبرع في ذات الفترة بعشرين ألف دولار للجمهوريين أو الديمقراطيين, وهذا ينطبق على انتخابات الكونجرس ومجلس النواب أيضاً. كما أن في استطاعة كل فرد من الأسرة أن يقدم مساهمات مماثلة. فبعض النفقات يصعب إخضاعها لحدود قانونية, وعلى كل الحالات فان اللوبي اليهودي يبدع في بديهة الحال, في تكوين إدارات مالية, قادرة على إيصال ما تريد إيصاله, بعيداً عن القوانين الشرطية لتغطية الحملة الانتخابية لهذا المرشح أو ذاك, كأن يمول فرد مثلاً حملة تبلغ تكلفتها مليون دولار ضد مرشح يعد معادياً لإسرائيل. دون أن نغفل, حقيقة غاية في الأهمية أن تأسيس باك يتيح تعزيز درجة تنظيم وتعبئة جمهور اللوبي, وزيادة عددهم زيادة ملموسة, في كل دورة انتخابية. فمع تنشيط باك, التي لا تزال تشكل منذ مطلع الثمانينيات أحد أنشطة اللوبي الرئيسية, والتي هيأت أفضل الشروط الملائمة, لقوة اللوبي اليهودي في التأثير على سير الانتخابات, بما يتوافق والرؤية العامة لهذا اللوبي, إن كان ذلك على الصعيد الأمريكي الداخلي, أو العلاقة مع إسرائيل وتطورها على الصعيد الخارجي. لكن وعلى الرغم مما يشاع حول المبالغ التي تدفع من قبل لجان العمل السياسي اليهودية, ومن يدور في فلكها الديني والمصلحي, بأنها محدودة نسبياً, إلا أن الأرقام لا يمكن أن تضبط من خلال لجان الإحصاء الدراسية أو الرقابية. خاصة إذا ما علمنا أن تعداد هذه اللجان يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف لجنة انتخابية داعمة, وأن مجموع التبرعات التي يقدمها اليهود من الأصل الأمريكي, تتجاوز كل النسب التي غالباً ما يعلن عنها. وذلك بسبب الآليات والطرق المتبعة وعامل الوقت, في تقديم مثل هذه التبرعات, فالتمويل عادة يصل في وقت مبكر, ولمصلحة مرشح غير معروف بعد (ولا سيما في الانتخابات الرئاسية), وهذا يأتي بالتتالي, وليس دفعة واحدة, كما يحاول البعض تعميم هذه المقولة. أي حتى يصل المرشح إلى أذهان عامة جمهور الناخبين من خلال التعبئة بوسائل الإعلام الموجهة, والحفلات والمهرجانات والاجتماعات, يبدأ الدفع بعدها, بكميات مكشوفة بعض الشيء لوسائل الإعلام وبعض أجهزة الرقابة المتخصصة بهذا الشأن. وهذه الطرق الملتوية التي يتبعها اليهود, جاءت في حقيقة الأمر رداً حاسماً, على قانون تمويل الانتخابات الذي أصدره الكونجرس في عام ,1974 والذي نادى بإدخال المعايير الخلقية في الحياة العامة بعد فضيحة ووتر غيت والذي فرض حدوداً صارمة على المساهمات التي يستطيع أي شخص واحد التربع بها لمصلحة أي مرشح (ألف دولار ). وقد اعتبر في حينه إصلاحاً تشريعياً يدفع إلى الاعتقاد أن نتيجته ستكون وضع حد للتبرعات الضخمة التي يقدمها كبار المتبرعين من رجال الأعمال اليهود, وبالتالي إضعاف دور ونفوذ اللوبي اليهودي, المسيطر على الحياة السياسية. إذ ليس صدفة, أن نجد في عهد الرئيس بيل كلينتون سيطرة شبه مطلقة على كل مراكز القرار الحكومي, حيث بلغت نسبة اليهود في الخارجية الأمريكية حوالي 75% وفي وزارة الداخلية 16% والمالية 69% ووزارة الاقتصاد 22% ووزارة الدفاع 25%. ومن الجدير بالذكر أن الإدارة الحالية من أكثر الإدارات الأمريكية التي احتوت على يهود في أعلى المناصب السياسية, وأكثرها عدداً بالمقارنة مع عددهم وحجمهم في الإدارات السابقة. فيكفي أن نورد أن أربعة وزراء هم الخارجية والخزانة والدفاع والزراعة, بالإضافة إلى رئيس وكالة الاستخبارات (السي أي أيه) ورئيس المجلس القومي ونائب رئيس الأركان.. الخ, جاءوا نتيجة قوة اللوبي المسيطر على كل نواحي الحياة, خاصة الانتخابية منها وانتقاء الرؤساء. وللتذكير أن المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية, لا يعرف بالتحديد عددها, فقد أوردت صحيفة (جون افريك) عن اليهود في أمريكا ذكرت فيه أن هناك 281 منظمة يهودية و250 اتحاداً إقليمياً, أما صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية قالت أن لليهود 900 جمعية يهودية في الولايات المتحدة, وكلها تشترك في دعم الرؤساء وأعضاء الكونجرس والبرلمان. ناهيك على أن السيطرة اليهودية على وسائل الإعلام الأمريكية, والتي تعمل على غسل الأدمغة فيما يخص جمهور الناخبين, فقد بلغ ما لديهم من صحف يومية وشهرية حوالي ما يقارب ,3000 جميعها تعمل في إمرة اللوبي ورؤيته المستقبلية. فضلاً عن سيطرتهم التامة على وسائل الإعلام الرئيسية, أهمها الشركة الأمريكية للإذاعة يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها (مارتن روبنشتاين), المليونير اليهودي المشهور ومساعده اليهودي (افران واينشتاين) إضافة إلى مئات المحررين والمراسلين اليهود الذين يرتبطون بشكل مباشر مع (منظمة ايباك) المنظمة الأم للمنظمات اليهودية. وشبكة كولومبيا للبث الإذاعي ويسيطر عليها اليهود سيطرة محكمة من خلال رئيسها (وليام لبيلن) يهودي روسي من أوكرانيا ومديرها العام (ريتشارد سالانت) اليهودي الأمريكي وهذه الإذاعة ومحطتها تؤمن الخدمات السياسية والإعلامية لليهود ولإسرائيل بشكل منقطع النظير. الشركة الوطنية للإذاعة يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها (الفرد سلفرمان) الذي خلف رئيسها السابق (روبرت سارنوف), إضافة إلى جيش من المحررين والمهندسين الذين يتسابقون على تقديم الخدمات للمنظمات اليهودية في أمريكا. وهذه الشبكات الثلاث هي المسيطرة والموجه الأساسي لأفكار ومواقف حوالي 250 مليون أمريكي, إضافة إلى الملايين في أوروبا وأمريكا اللاتينية. ختاماً لابد لنا من القول, بالإضافة إلى هذا كله, يستفيد اللوبي من موقفه الموالي لكلا الحزبين (حتى لو كانت أغلبية اليهود الأمريكيين تميل إلى الاقتراع لمصلحة الحزب الديمقراطي). وأنه لا يترك جهداً في السيطرة الكلية على كلا الحزبين, وهو يقيم بالتنسيق مع أعضائه علاقات مع كل الشخصيات السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية, علاقات كبيرة جداً, ويعمل على دعم بعضها بالأموال, حتى يبقي سيطرته ليس على الحياة الانتخابية بل والسياسية العامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. أما السؤال الذي لا بد منه, هل حقاً وصل العرب على المستوى الرسمي لدعم اللوبي العربي داخل الولايات المتحدة, لكي يصل إلى لوبي مواز للوبي اليهودي ؟وهل ثمة إمكانية للّحق بركب حالة التأثير التي يمارسها اللوبي اليهودي, لقلب الصورة القائمة؟ كاتب فلسطيني مقيم بدمشق

Email